قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بالإِنزال أي: بسبب الحق، وأنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب، أي: مُلْتبسين بالحق أو ملتبساً بالحقِّ. وفي قوله: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ تكريرُ تعظيمٍ بسبب إبرازِه في جملةٍ أخرى مضافاً إنزالُه إلى المعظِّم نفسَه.
قوله: "مُخْلِصاً" حالٌ مِنْ فاعل "اعبد"، و"الدين" منصوبٌ باسمِ الفاعلِ. والفاءُ في "فاعبُدِ" للربطِ، كقول: "أَحْسَنَ إليك فلانٌ فاشْكُرْه". والعامَّةُ على نصبِ "الدينَ" كما تقدَّم. ورَفَعَه ابنُ أبي عبلة. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مرفوعٌ بالفاعليةِ رافعُه "مُخْلِصاً"، وعلى هذا فلا بُدَّ مِنْ تجوُّزٍ وإضمارٍ. أمَّا التجوزُ فإسنادُ الإِخلاصِ للدين وهو لصاحبِه في الحقيقة. ونظيرُه قولُهم: شعرٌ شاعرٌ. وأمَّا الإِضمارُ فهو إضمارٌ عائدٌ على ذي الحالِ أي: مُخْلِصاً له الدينَ منك، هذا رَأْيُ البصريين في مثل هذا. وأمَّا الكوفيون فيجوزُ أَنْ يكونَ عندهم أل عوضاً مِن الضميرِ أي: مُخْلِصاً ديْنَك. قال الزمخشري: "وحَقٌّ لمَنْ رَفَعه أَنْ يَقرأ "مُخْلَصاً" بفتحِ اللامِ لقولِه تعالى: ﴿وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ﴾ حتى يطابقَ قولَه: ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾، والخالِصُ والمُخْلَص واحدٌ إلاَّ أَنْ يصفَ الدينَ بصفةِ صاحبِه على الإِسنادِ المجازيِّ كقولِهم: شعرٌ شاعرٌ". والثاني: أَنْ يَتِمَّ الكلامُ على "مُخْلِصاً" وهو حالٌ مِنْ فاعلِ "فاعبدْ" و"له الدينُ" مبتدأٌ وخبرٌ، وهذا قولُ الفراء. وقد رَدَّه الزمخشري، وقال: "فقد جاء بإعرابٍ رَجَع به الكلامُ إلى قولِك: "لله الدينُ" ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ قلت: وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ لا يظهرُ فيه رَدٌّ على هذا الإِعرابِ.
(١٢/٢٨٠)
---