قوله: "طائِعِين" في مجيئِه مجيءَ جَمْعِ المذكرِين العقلاءِ وجهان، أحدهما: أنَّ المرادَ: أَتيا بمَنْ فيهما من العقلاء وغيرِهم، فلذلك غَلَّب العقلاءَ على غيرِهم، وهو رَأْيُ الكسائيِّ. والثاني: أنه لمَّا عامَلهما معاملةَ العقلاء في الإِخبارِ عنهما والأمرِ لهما جُمِعا كجَمْعِهم، كقولِه: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ وهل هذه المحاوَرَةُ حقيقةٌ أو مجازٌ؟ وإذا كانت مجازاً فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟ خلافٌ.
* ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
قوله: ﴿سَبْعَ﴾: في نصبه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه مفعولٌ ثانٍ لـ "قَضاهُنَّ"؛ لأنه ضُمِّن معنى صَيَّرهُنَّ بقضائِه سبعَ سمواتٍ.
والثاني: أنَّه منصوبٌ على الحالِ مِنْ مفعولِ "قَضاهُنَّ" أي: قضاهُنَّ معدودةً، و"قضى" بمعنى صَنَع، كقولِ أبي ذؤيب:
٣٩٤٩- وعليهما مَسْرُوْدتان قَضاهما * داوُدُ أو صَنَعُ السَّوابغِ تُبَّعُ
أي: صَنَعهما. الثالث: أنه تمييزٌ. قال الزمخشري: "ويجوزُ أَنْ يكونَ ضميراً مبهماً مُفَسَّراً بسبعِ سموات [على التمييز"] يعني بقولِه "مبهماً" أنَّه لا يعودُ على السماء لا من حيث اللفظُ ولا مِنْ حيث المعنى، بخلاف كونِه حالاً أو مفعولاً ثانياً. الرابع: أنه بدلٌ مِنْ "هُنَّ" في "فقَضاهُنَّ" قاله مكي. وقال أيضاً: "السَّماء تذكَّرُ وتؤنَّثُ. وعلى التأنيثِ جاء القرآن، ولو جاء على التذكير لقيل: سبعة سموات". وقد تقدَّم تحقيقُ تذكيرِه وتأنيثِه في أوائل البقرة.
(١٢/٣٨٠)
---