قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ في هذه الآيةِ أوجهٌ، أحدُها - وهو المشهورُ عند المُعْرِبين - أنَّ الكافَ زائدةٌ في خبرِ ليس، و"شيءٌ" اسمُها. والتقدير: ليس شيءٌ مثلَه. قالوا: ولولا ادِّعاءُ زيادتِها لَلَزِمَ أَنْ يكونَ له مِثْلٌ. وهو مُحالٌ؛ إذ يَصيرُ التقديرُ على أصالةِ الكاف: ليس مثلَ مثلِه شيءٌ، فنفى المماثلةَ عن مثلِه، فثبَتَ أنَّ له مثْلاً، لا مثلَ لذلك المَثَلِ، وهذا مُحالٌ تَعالى اللَّه عن ذلك.
وقال أبو البقاء: "ولو لم تكنْ زائدةً لأَفْضَى ذلك إلى المُحال؛ إذ كان يكونُ المعنى: أنَّ له مِثْلاً وليس لمثلِه مِثْلٌ. وفي ذلك تناقضٌ؛ لأنَّه إذا كان له مِثْلٌ فلِمِثْله مِثْلٌ وهو هو، مع أنَّ إثباتَ المِثْلِ لله تعالى مُحالٌ". قلت: وهذه طريقةٌ غريبةٌ في تقريرِ الزيادةِ، وهي طريقةٌ حسنةٌ فيها حُسْنُ صناعةٍ.
والثاني: أنَّ مِثْلاً هي الزائدةُ كزيادتِها في قوله تعالى: ﴿بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ﴾. قال الطبري: "كما زِيْدَتِ الكافُ في قوله:
٣٩٦٦- وصَالياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ
وقولِ الآخر:
٣٩٦٧- فصُيِّروا مثلَ كعَصْفٍ مَأْكُوْلْ
وهذا ليس بجيدٍ؛ لأنَّ زيادةَ الأسماءِ ليسَتْ بجائزةٍ. وأيضاً يصيرُ التقديرُ ليس كـ هو شيءٌ، ودخولُ الكافِ على الضمائرِ لا يجوزُ إلاَّ في شعرٍ.
الثالث: أنَّ العربَ تقولُ "مثلُكَ لا يَفْعَلُ كذا" يعْنُون المخاطبَ نفسَه؛ لأنَّهم يُريدون المبالغةَ في نَفْيِ الوصفِ عن المخاطب، فينفونَها في اللفظِ عن مثلِه، فَيَثْبُتُ انتفاؤُها عنه بدليلِها. ومنه قول الشاعر:
٣٩٦٨- على مِثْلِ ليلى يَقْتُل المرءُ نفسَه * وإنْ باتَ مِنْ ليلى على اليأس طاويا
وقال أوس بن حجر:
٣٩٦٩- سَعْدُ بنُ زيدٍ إذا أبصرْتَ فضلَهُمُ * فما كمِثْلِهِمْ في الناسِ مِنْ أَحَدِ
(١٢/٤٠٩)
---