قوله "إلاَّ المودَّةَ" فيها قولان، أحدهما: أنَّها استثناءٌ منقطعٌ؛ إذ ليسَتْ من جنسِ الأَجْرِ. والثاني: أنه متصلٌ أي: لا أسألُكم عليه أجراً إلاَّ هذا. وهو أَنْ تَوَدُّوا أهلَ قرابتي ولم يكنْ هذا أجراً في الحقيقةِ؛ لأنَّ قرابتَه قرابتُهم فكانت صلتُهم لازمةً لهم في المروءةِ، قاله الزمخشري. وقال أيضاً: "فإنْ قلت: هلاَّ قيل: إلاَّ مودةَ القُرْبَى، أو إلاَّ المودةَ للقُرْبى. قلت: جُعِلوا مكاناً للمودَّةِ ومَقَرًّا لها كقولِك: لي في آل فلان مَوَدَّة، وليست "في" صلةً للمودةِ كاللامِ إذا قلتَ: إلاَّ المودةَ للقربى، إنما هي متعلقةٌ بمحذوفٍ تَعَلُّقَ الظَرفِ به في قولك: "المالُ في الكيس"، وتقديرُه: إلاَّ المودةَ ثابتةً في القُرْبَى ومتمكنةً فيها". قلت: وأحسنُ ما سَمِعْتُ في معنى هذه الآيةِ حكايةُ الشعبيِّ قال: أَكْثَرَ الناسُ علينا في هذه الآيةِ فكتَبْنا إلى ابن عباس نسألُه عنها. فكتب: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان أوسطَ الناسِ في قريش، ليس بطنٌ مِنْ بطونهم إلاَّ قد وَلَدَه، فقال الله تعالى: قل لا أسألُكم عليه أَجْراً إلاَّ أن تَوَدُّوني في قَرابتي منكم فارْعَوْا ما بيني وبينكم فصَدِّقوني.
وقال أبو البقاء: "وقيل: متصلٌ أي/: لا أسألكم شيئاً إلاَّ المودةَ". قلت: وفي تأويلِه متصلاً بما ذَكَر، نظرٌ لمجيئه بـ "شيء" الذي هو عامٌّ، وما مِنْ استثناءٍ منقطع إلاَّ ويمكن تأويلُه بما ذَكَر، ألا ترى إلى قولِك: "ما جاءني أحدٌ إلاَّ حمارٌ" أنه يَصِحُّ: ما جاءني شيءٌ إلاَّ حماراً. وقرأ زيد بن علي "مَوَدَّة" دون ألفٍ ولام.
(١٢/٤١٥)
---
الدر المصون في علم الكتاب المكنون
السمين الحلبي
( ١٣ )
نسخ وتنسيق مكتبة مشكاة الإسلامية
٣٩٧٦- وقد رَكَدَتْ وسطَ السماءِ نجومُها * رُكوداً بوادِي الرَّبْرَبِ المتفرِّقِ
* ﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon