الثالث: أَنْ يكونَ مجروراً بدلاً مِنْ "ما" الموصولة في قولِه: "ممَّا تعبدُون" قاله الزمخشريُّ. ورَدَّه الشيخ: بأنه لا يجوزُ إلاَّ في نفيٍ أو شبهه قال: "وغَرَّه كونُ براء في معنى النفي، ولا ينفعه ذلك لأنه موجَبٌ". قلت: قد تأوَّل النحاةُ ذلك في مواضعَ من القرآن كقولِه تعالى: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ﴾ ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ والاستثناء المفرغُ لا يكونُ في إيجاب، ولكن لَمَّا كان "يأبى" بمعنى: لا يفعلُ، وإنها لكبيرة بمعنى: لا تَسْهُلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك، فهذا مثلُه.
الرابع: أَنْ تكونَ "إلاَّ" صفةً بمعنى "غير" على أن تكونَ "ما" نكرةً موصوفةً، قاله الزمخشريُّ قال الشيخ: "وإنما أخرجها في هذا الوجهِ عن كونِها موصولةً؛ لأنَّه يرى أنَّ "إلاَّ" بمعنى "غير" لا يُوْصَفُ بها إلاَّ النكرة" وفيها خلافٌ. فعلى هذا يجوزُ أَنْ تكونَ "ما" موصولةً و"إلاَّ" بمعنى "غير" صفةً لها.
* ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
قوله: ﴿وَجَعَلَهَا﴾: الضميرُالمرفوعُ لإِبراهيمَ عليه السلام - وهو الظاهرُ - أو لله. والمنصوبُ لكلمة التوحيد المفهومةِ مِنْ قولِه: "إنني بَراءٌ" إلى آخره، أو لأنَّها بمنزلةِ الكلمة، فعاد الضمير على ذلك اللفظِ لأجل المَعْنِيِّ به.
وقرئ "في عَقْبِه" بسكون القافِ. وقُرِئ "في عاقِبه" أي: وارِثه. وحميد بن قيس "كلمة" بكسر الكاف وسكون اللام.
* ﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَاؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾
والجمهورُ على "مَتَّعْتُ" بتاء المتكلم. وقتادةُ/ والأعمشُ بفتحِها للمخاطبِ، خاطبَ إبراهيمُ أو محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم ربَّه تعالى بذلك. وبها قرأ نافعٌ في روايةِ يعقوبَ. والأعمشُ أيضاً "بل مَتَّعْنا" بنون العظمة.
(١٣/٢٢)
---


الصفحة التالية
Icon