وقد تقدَّم الخلافُ في "لَمَّا" تخفيفاً وتشديداً في سورة هود، وقرأ أبو رجاء وأبو حيوةَ "لِما" بكسر اللام على أنها لامُ العلةِ دَخَلَتْ على "ما" الموصولة وحُذِفَ عائدُها، وإنْ لم تَطُل الصلةُ. والأصل: الذي هو متاعٌ كقولِه: ﴿تَمَاماً عَلَى الَّذِيا أَحْسَنَ﴾ برفع النون. و"إنْ" هي المخففةُ من الثقيلة، و"كل" مبتدأ، والجارُّ بعده خبرُه أي: وإن كل ما تقدَّم ذِكْرُه كائن للذي هو متاعُ الحياة، وكان الوجهُ أن تدخُلَ اللامُ الفارقة لعدم إعمالِها، إلاَّ أنَّها لما دَلَّ الدليلُ على الإِثباتِ جاز حَذْفُها كما حَذَفها الشاعرُ في قوله:
٣٩٩٢- أنا ابنُ أباةِ الضَّيْم مِنْ آلِ مالكٍ * وإنْ مالكٌ كانَتْ كرامَ المعادنِ
* ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾
قوله: ﴿وَمَن يَعْشُ﴾: العامَّة على ضم الشين مِن عشا يعشو أي: يتعامى ويتجاهل. وقتادة ويحيى بن سلام "يَعْشَ" بفتحها بمعنى يَعْمَ. وزيد بن علي "يَعْشو" بإثبات الواو. قال الزمخشري: "على أنّ "مَنْ" موصولة وحَقُّ هذا أن يقرأَ نقيضُ بالرفع". قال الشيخ: "ولا تتعيَّنُ موصوليتُها بل تُخَرَّج على وجهين: إمَّا تقديرِ حذفِ حركةِ حرفِ العِلة، وقد حكاها الأخفش لغةً، وتقدَّم منه في سورةِ يوسفَ شواهدُ، وإمَّا على أنه جزمٌ بـ "مَنْ" الموصولة تشبيهاً لها بـ "مَنْ" الشرطيةِ". قال: "وإذا كانوا قد جَزَموا بـ "الذي"، وليس بشرطٍ قط فأَوْلَى بما اسْتُعْمِلَ شرطاً وغيرَ شرطٍ. وأنشد:
٣٩٩٣- ولا تَحْفِرَنْ بِئْراً تُريد أخاً بها * فإنّك فيها أنت مِنْ دونِه تقَعْ
كذاكَ الذي يَبْغي على الناسِ ظالماً * يُصِبْه على رَغْمٍ عواقبُ ما صَنَعْ
(١٣/٢٥)
---


الصفحة التالية
Icon