وجَوَّز ابنُ عطية في "مَنْ خَشِي" أَنْ يكونَ نعتاً لِما تقدَّم، وهو مردودٌ بما تقدَّم، ويجوز أَنْ يكونَ يرتفع "مَنْ خَشِي" على خبر ابتداءٍ مضمرٍ، أو يُنْصَبُ بفعلٍ مضمرٍ، وكلاهما على القطع المُشْعِرِ بالمدح، وأن يكونَ مبتدأ خبرُه قولٌ مضمرٌ ناصبٌ لقولِه: "ادْخُلوها" أي: مَنْ خَشِي الرحمنَ يُقال لهم: ادْخُلوها. وحُمِل أولاً على اللفظِ، وفي الثاني على المعنى، وقيل: "مَنْ خَشي" منادى حُذِفُ منه حرفُ النداءِ أي: يا مَنْ خَشِي ادْخلُوها باعتبار الحَمْلَيْن المتقدِّمَيْنِ، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وجوابُها محذوفٌ وهو ذلك القولُ، ولكن رُدَّ معه فاءٌ أي: فيقال لهم: و "بالغيب" حالٌ أي: غائباً عنه، فيُحتمل أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما. وقيل: الباءُ للسببية أي: خَشْيةً بسببِ الغيب الذي أَوْعَدَه مِنْ عذابِه. ويجوزُ أَنْ تكونَ صفةً لمصدرِ خشي أي: خَشيَه خَشْيْةً ملتبسةً بالغيب.
* ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ ﴾
قوله: ﴿بِسَلاَمٍ﴾: حالٌ من فاعل "ادْخولها"، أي: سالمين من الآفات، فهي حالٌ مقارِنةٌ أو مُسَلَّماً عليكم، فهي حالٌ مقدرةٌ كقوله: ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ كذا قيل. وفيه نظر؛ إذ لا مانعَ من مقارنة تسليم الملائكةِ عليهم حالَ الدخول بخِلافِ {﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾فإنه لا يُعْقَلُ الخلودُ إلاَّ بعد الدخولِ. ؟
قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ﴾ قال أبو البقاء: "أي زمنُ ذلك يومُ الخلود" كأنه جَعَلَ ذلك إشارةً إلى ما تقدِّم مِنْ إنعام اللَّهِ عليهم بما ذُكِرَ. ولا حاجةَ إلى ذلك؛ بل ذلك مُشارٌ به لما بعدَه من الزمانِ كقولكك "هذا زيدٌ".
قوله: ﴿فِيهَا﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ يَشاؤُون، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الموصول، أو مِنْ عائِده والأولُ أَوْلى.
(١٣/١٦٨)
---


الصفحة التالية
Icon