قوله: ﴿أَمْراً﴾: يجوزُ أن يكونَ مفعولاً به، وهو الظاهر، وأَنْ يكون حالاً أي: مأمورَه، وعلى هذا فيحتاج إلى حَذْلإ مفعولِ "المُقَسِّمات". وقد يقال: لا غرضَ لتقديرِه كما في "الذَّارِيات". وهل هذه أِياءُ متختلفةٌ فتكونُ الواوُ على بابِها من عطفِ المتغايراتِ، فإنَّ الذارياتِ هي الرياحُ، والحاملاتِ الفلكُ، والجارياتِ الكواكبُ، والمُقَسِّماتِ الملائكةُ. وقال الزمخشري: "ويجوزُ أَنْ يُراد الريحُ وحدَها لأنها تُنْشِىءُ السحابَ وتُقِلأُّه وتُصَرِّفُه، وتجري في الجوِّ جَرْياً سهلاً". قلت: فعلى هذا يكونُ مِنْ عطفِ الصفاتِ، والمرادُ واحدٌ كقولِه:
٤١٠٠ - يا لَهْفَ زَيَّابَةَ للحارثِ الصَّا * بِحِ فالغانِمِ فلآيِبِ
وقلِ الآخر:
٤١٠١ - إلى المَلِك القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ * ولَيْثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ
وهذا قَسَمٌ جوابُه قولُه: "إنما تُوْعدون".
* ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾
و "ما" يجوزُ أَنْ تكونَ اسميةً، وعائدُها محذوفٌ أي: تُوْعَدونه، ومصدريةً فلا عائدَ على المشهور، وحينئذٍ يُحتمل أَنْ يكونَ "تُوْعدون" مبنياً من الوَعْدِ، وأَنْ يكونَ مبنيَّاً من الوعيد لأنه صالحٌ أَنْ يُقال: أَوْعَدْتُه فهو يُوْعَد، ووَعَدْتُه فهو يُوعَد لا يختلفُ، فالتقدير: إنَّ وَعْدَكم، أو إنَّ وَعيدكم. ولا حاجةَ إلى قولِ مَنْ قالَ: إن قولَه: "لَصادِقٌ" وقعفيه اسمُ الفاعلِ موقع المصدرِ أي: لصِدْقٌ؛ لأنَّ لفظَ اسمِ الفاعل أَبْلَغُ إذ جُعِل الوعدُ أو الوعيدُ صادقاً مبالغةً، وإن كان الوصفُ إنما يقوم بمَنْ يَعِدُ أو يُوْعِدُ.
* ﴿ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾
قوله: ﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾: العامَّةُ على "الحُبُك" بضمتين وهي الطرائقُ نحو: طرائق الرَّمْل والماءِ إذا صَفَقَتْه الريحُ، وحُبُك الشَّعْر: آثارُ تَثَنِّيه وتَكَسُّرِه. قال زهير:
٤١٠٢ - مُكَلَلٌ بأصولِ النجم تَنْسُجُه * ريحُ حَريقٍ لضاحي مائِه حُبُكُ


الصفحة التالية
Icon