الرابع: أنه منصوب على إسقاطِ الجارِّ، وهو كافُ التشبيهِ. وقال الفراء: "العربُ تَنْصِبُها إذا رُفِعَ بها الاسمُ، يعني المبتدأ، فيقولون: مثلَ مثلَه؛ لأنَّ الكافَ قد تكونُ داخلةً عليها فتُنْصَبُ إذا أَلْقَيْتَ الكافَ". قلت: وفي هذا نظرٌ، أيُّ حاجةٍ إلى تقدير دخولِ الكافِ و "مثْل" تفيدُ فائدتَها؟ وكأنه لمَّا رأى الكافَ قد دخلَتْ عليها في قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ قال ذلك.
الخامس: أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: لحَقٌّ حقاً مثلَ نُطْقِكم. السادس: أنه حالٌ من الضميرِ في "لَحَقٌّ" لأنه قد كَثُرَ الوصفُ بهذا المصدرِ، حتى جَرَى مَجْرى الأوصافِ المشتقةِ، والعاملُ فيها "حَقٌّ". السابع: أنه حالٌ من نفس "حقٌّ" وإن كان نكرةً. وقد نَصَّ سيبويه في مواضع من كتابه على جوازِه، وتابعه أبو عمرَ على ذلك.
و "ما" هذه في مثلِ هذا التركيبِ نحو قولِهم: "هذا حَقٌّ كما أنَّك ههنا" لا يجوز حَذْفُها فلا يُقال: "هذا حَقٌّ كأنَّك هنا". نَصَّ على ذلك الخليل - رحمه الله تعالى - فإذا جعلْتَ "مثلَ" معربةً كانت "ما" مزيدةً و "أنكم" في محلِّ خفضٍ بالإِضافةِ كما تقدَّم، وإذا جَعَلْتَها مبنيَّة: إمَّا للتركيب، وإمَّا لإِضافتِها إلى غيرِ متمكِّنٍ جاز في "ما" هذه وجهان الزيادةُ وأَنْ تكونَ نكرةً موصوفةً / كذا قال أبو البقاء. وفيه نظرٌ لعدم الوصفِ هنا. فإنْ قال: هو محذوفٌ فالأصلُ عَدَمُه. وأيضاً فنصُّوا على أن هذه الصفةَ لا تُحْذَفُ لإِبهامِ موصوفِها، وأمَّا "أنَّكم تَنْطِقون" فيجوز أَنْ يكونَ مجروراً بالإِضافةِ إنْ كانَتْ "ما" مزيدةً، وإنْ كانت نكرةً كان في موضعِ نصبٍ بإِضمارِ أعني أو رفعٍ بإضمار مبتدأ.
* ﴿ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾
(١٣/١٨٠)
---