قوله: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ﴾: قال الزمخشري: "هو اعتراض أي: فأَعْرِضْ عنه ولا تُقابِلْه، إنَّ ربك هو أعلمُ [بضالِّ]". قال الشيخ: "كأنه يقول: هو اعتراضٌ بين "فأعرِضْ" وبين "إنَّ ربك"، ولا يظهر هذا الذي يقولُه من الاعتراضِ". قلت: كيف يقولُ: كأنه يقول هو اعتراضٌ وما بمعنى التشبيه، وهو قد نَصَّ عليه وصرَّح به فقال: أي فأعرِضْ عنه ولا تقابِلْه، إنَّ ربك؟ وقوله: "ولا يَظْهر"، ما أدري عدمَ الظهورِ مع ظهور أنَّ هذا علةٌ لذاك، أي: قوله: "إنَّ ربَّك" علةٌ لقولِه: "فأعْرِضْ" والاعتراضُ بين العلةِ والمعلولِ ظاهرٌ، وإذا كانوا يقولون: هذا معترضٌ فيما يجيءُ في أثناء قصةٍ فكيف بما بين علةٍ ومعلول؟
وقوله: ﴿أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ﴾ جوَّزَ مكي أن يكونَ على بابِه من التفضيل أي: هو أعلمُ مِنْ كل أحد، بهذين الوصفَيْن وبغيرِهما، وأَنْ يكونَ بمعنى عالِم وتقدَّم نظيرُ ذلك مراراً.
* ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾
قوله: ﴿لِيَجْزِيَ﴾: في هذه اللامِ أوجهٌ: أحدها: أَنْ تتعلَّقَ بقولِ: ﴿لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ﴾ ذكره مكي: وهو بعيدٌ من حيث اللفظُ ومن حيث المعنى. الثاني: أَنْ تتعلَّقَ بما دَلَّ عليه قولُه: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ أي: له مِلْكُهما يُضِلُّ مَنْ يشاء ويَهْدي مَنْ يشاء ليجزيَ المحسنَ والمسيءَ. الثالث: أَنْ تتعلَّق بقولِه: "بمنْ ضَلَّ وبمَنْ اهتدى" واللام للصيرورةِ أي: عاقبة أمرهم جميعاً للجزاءِ بما عملوا، قال معناه الزمخشري. الرابع: أن تتعلَّقَ بما دَلَّ عليه قولُه: ﴿أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ﴾ أي: حَفِظ ذلك ليجزيَ، قاله أبو البقاء. وقرأ زيد بن علي "لنجزيَ، ونجزيَ" بنونِ العظمة، والباقون بياء الغَيْبَةِ.
(١٣/٢١٨)
---