فيما قبلهما،
(١٣/٢٥٤)
---
فإذا لم يَبْقَ "خَلَقْناه" صفةً لم يَبْقَ إلاَّ إنه تفسراً لِما يعملُ فيما قبلهما، فإذا لم يَبْقَ "خَلَقْناه" صفةً لم يَبْقَ إلاَّ أنه تأكيدٌ وتفسيرٌ للمضمر النصب، وذلك يَدُلُّ على العموم. وأيضاً فإن النصبَ هو الاختيارُ لأنَّ "إنَّا" عندهم يَطلبُ الفعلَ فهو أَوْلى به، فالنصبُ عندهم في "كل" هو الاختيارُ، فإذا انضاف إليه معنى العموم والخروج عن الشُبَهِ كان النصب أَوْلى من الرفع". وقال ابن عطية: / "وقومٌ من أهلِ السُّنَّة بالرفع". وقال أبو الفتح: "هو الوجهُ في العربية، وقراءتُنا بالنصب مع الجماعة". وقال الزمخشري: "كلَّ شيء" منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره الظاهرُ. وقُرِىء "كلُّ شيءٍ" بالرفع. والقَدْر والقَدَر: التقديرُ، وقُرِىء بهما، أي: خَلَقْنا كلَّ شيء مُقَدَّراً مُحْكَماً مُرَتَّباً على حَسَبِ ما اقْتَضَتْه الحكمةُ أو مُقَدَّراً مكتوباً في اللوح، معلوماً قبل كونِه قد عَلِمْنا حاله وزمانَه" انتهى. وهو هنا لم يَتَعَصَّبْ للمعتزلةِ لضعفِ وجهِ الرفع.
وقال قومٌ: إذا كان الفعل يُتَوَهَّمُ فيه الوصفُ وأنَّ ما بعدَه يَصْلُحُ للخبر، وكان المعنى على أن يكون الفعلُ هو الخبرَ اختير النصبُ في الاسمِ الأولِ حتى يتضحَ أنَّ الفعل ليس بوصفٍ، ومنه هذا الموضعُ؛ لأنَّ قراءة الرفع تُخَيِّل أنَّ الفعلَ وصفٌ، وأن الخبرَ "بقدَر". وقد تنازع أهلُ السنة والقَدَرِيَّة الاستدلال بهذه الآية: فأهلُ السُّنَّة يقولون: كلُّ شيء مخلوقٌ لله تعالى بقَدَرٍ، ودليلُهم قراءة النصبِ لأنه لا يُفَسَّر في هذا التركيب إلاَّ ما يَصِحُّ أن يكون خبراً لو رُفِع الأولُ على الابتداء. وقال القَدَرية: القَراءةُ برفع "كل" و "خَلَقْناه" في موضع الصفة لـ"كل"، أي: إنَّ أمْرَنا أو شأنَنا: كلُّ شيء خَلَقْناه فهو بَقَدر أو بمقدار، وعلى حَدِّ ما في هيئتهِ وزمنِه.
(١٣/٢٥٥)
---


الصفحة التالية
Icon