قوله: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾: "أصحاب" الأولى مبتدأٌ، و "ما" استفهامٌ فيه تعظيمٌ مبتدأٌ ثانٍ، و "أصحاب" الثاني خبرُه والجملةُ خبرُ الأولِ، وتكرارُ المبتدأ هنا بلفظِه مُغْنٍ عن الضمير ومثلُه ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَآقَّةُ﴾ ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ ولا يكون ذلك إلاَّ في مواضعِ التعظيم. وهنا سؤالٌ: وهو أنَّ "ما" نكرةٌ وما بعده معرفةٌ، فكان ينبغي أَنْ يقال "ما" خبر مقدمٌ، "وأصحاب" الثاني وشبهُه مبتدأٌ؛ لأن المعرفة أحقٌّ بالابتدءا من النكرةِ. وهذا السؤال واردٌ على سيبويه من مثل هذا، وفي قولك: "كم مالُك" و "مَرَرْتُ برجل خيرٌ منه أبوه"، فإنه يُعْرِبُ ما الاستفهامية و "كم" و "أَفْعَل" مبتدأ، وما بعدها خبرُها. والجوابُ: أنه كَثُرَ وقوعُ النكرةِ خبراً عن هذه الأشياء كثرةً متزايدةً، فاطَّردَ البابُ ليجريَ على سَننٍ واحدٍ. هكذا أجابوا، وهذا لا ينهضُ مانعاً مِنْ جوازِ أَنْ تكونَ "ما" و "كم" وأفعلُ خبراً مقدماً. ولو قيل به لم يكنْ خطأ بل أقربُ إلى الصوابِ.
والمَيْمَنَةُ: مَفْعَلَةُ من لفظِ اليُمْن وكذلك المَشْأَمَة من اليدِ الشُّؤمى وهي الشِمالُ لتشاؤمِ العربِ بها، أو من الشُّؤْم.
* ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾
قوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾: فيه أوجهٌ: أحدُها: أنهما مبتدأٌ وخبرٌ. وفي ذلك تأويلان، أحدهما: أنه بمعنى السابقون، هم الذي اشْتُهِرَتْ حالُهم بذلك كقولِهم: أنت أنت، والناسُ الناسُ، وقولِه:
٤٢٠١ - أنا أبو النجمِ وشِعْري شِعْري
وهذا يُقال في تعظيمِ الأمرِ وتفخيمهِ، وهو مذهبُ سُيبويه.
التأويل الثاني: أنَّ مُتَعلَّقَ السَّبْقَتْينِ مختلفٌ، إذ التقدير: والسابقونَ إلى الإِيمانِ السابقونَ إلى الجنة، / أو السابقونَ إلى طاعةِ اللَّهِ السابقون إلى رحمتِه، أو السابقون إلى الخيرِ السابقون إلى الجنة.
(١٣/٢٩٢)
---


الصفحة التالية
Icon