وأمَّا القراءةُ بضمةٍ وسكونٍ فقيل: هي تخفيفُ الأُولى. وقيل: هي جمعُ خَشْباء وهي الخَشَبةُ التي نُخِر جَوْفُها، أي: فُرِّغَ، شُبِّهوا بها لفراغِ بَواطنِهم مِمَّا يُنْتَفَعُ به. وقيل: هي جمعُ خَشَبة نحو بَدَنَة وبُدْن، قاله الزمخشري.
وأمَّا القراءةُ بفتحتَيْن فهو اسمُ جنسٍ، وأُنِّثَتْ صفتُه كقولِه: ﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ وهو أحدُ الجائزَيءن.
وقوله: ﴿مُّسَنَّدَةٌ﴾ تنبيهٌ على أنها لا يُنْتَفَعُ بها، كما يُنتفعِ بالخَشَبِ في سَقْفٍ وغيرِه، أو شبهوا بالأصنامِ؛ لأنهم كانوا يُسْنِدونها إلى الحِيطان.
قوله: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ فيه وجهان، أظهرهما: أنَّ "عليهم" هو المفعولُ الثاني للحُسْبان، أي: واقعةً وكائنةً عليهم، ويكون قولُه: "هم العدوُّ" جملةً مستأنفةً، أخبر تعالى بذلك. والثاني: أَنْ يكونَ "عليهم" متعلقاً بصيحة، و "هم العدوُّ" الجملةُ في موضعِ المفعول الثاني للحُسبان. قال الزمخشري: "ويجوزُ أَنْ يكونَ "هم العدوُّ" هو المفعولَ الثاني: كما لو طَرَحْتَ الضميرَ. فإنْ قلتَ: فحقُّه أن يُقالَ: هي العدو قلت: منظورٌ فيه إلى الخبر، كما ذُكِر في قوله: ﴿هَاذَا رَبِّي﴾، وأَنْ يُقَدَّرَ مضافٌ محذوفٌ على "يَحْسَبُون كلَّ أهلِ صحيةٍ" انتهى. وفي الثاني بُعْدٌ بعيدٌ.
قوله: ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ "أنَّى" بمعنى كيف. وقال ابن عطية: ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ "أنَّى" ظرفاً لـ"قاتَلَهم" كأنَّه قال: قاتلهم اللهُ كيف انصَرفوا، أو صُرِفوا؟ فلا يكونُ في القولِ استفهامٌ على هذا" انتهى. وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ "أنَّى" إنما هي بمعنى كيف، أو بمعنى أين الشرطيةِ أو الاستفهاميةِ، وعلى التقادير الثلاثةِ فلا تَتَمَحَّضُ للظرفِ فلا يعملُ فيها ما قبلَها البتةَ، كما لا تعمل في أسماءِ الشرطِ والاستفهامِ.
(١٣/٤٠٨)
---