قوله: ﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ مِنْ قولِه "مِنْ حيث" بتكريرِ العاملِ، وإليه ذهب أبو البقاء كأنه قيل: أسْكنوهن مِنْ سَعَتكم. والثاني: أنه عطف بيان لقوله ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾، وإليه ذهب الزمشخري، فإنه قال بعد أن أعربَ "مِنْ حيث" تبعيضيةً كما تقدَّم: "فإن قلتَ: وقولُه "مِنْ وُجْدِكم"؟ قلت: هو عطفُ بيانٍ لقولِه: ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ ومُفَسِّرٌ له كأنه قيل: أَسْكِنوهنَّ مكاناً مِنْ مَساكنكم مِمَّا تُطيقونه.
والوُجْدُ الوُسْع والطاقَةُ". وناقشه الشيخ: بأنَّه لم يُعْهَدْ في عطفِ البيان إعادةُ العاملِ، إنما عُهد هذا في البدلِ، ولذلك أعربه أبو البقاء بدلاً. والعامَّة "وُجْدِكم" بضمِّ الواو، والحسن والأعرج وأبو حيوةَ بفتحِها، والفياضُ بن غزوان وعمرو بن ميمون ويعقوب بكسرِها، وهي لغاتٌ بمعنىً. والوَجْدُ بفتح الواو: الحُزْنُ أيضاً، والحُبُّ، والغَضَب.
قوله: ﴿وَأْتَمِرُواْ﴾ افْتَعِلوا مِنْ الأَمْر يقال: ايتَمَرَ القومُ وتآمروا، أي: أمَر بعضُهم بعضاً. وقال الكسائيُّ: ائتمروا: تَشاوروا وتلا قولَه تعالى: ﴿إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ وأنشد قولَ امرِىءِ القيس:
٤٢٧٤ -....................... * ويَعْدُوْ على المَرْءِ ما يَأَتْمِرْ
قوله: ﴿فَسَتُرْضِعُ﴾ قيل: هو خبرٌ في معنى الأَمْر. والضمير في "له" للأبِ كقولِه: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾، والمفعولُ محذوفٌ للعِلْمِ به، أي: فسترضعُ الولدَ لوالدِه امرأةٌ أخرى. والظاهرُ أنه خبرٌ على بابِه.
* ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾
(١٤/١٦)
---