* ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾
قوله: ﴿تَمَيَّزُ﴾: هذه قراءةُ العامَّةِ بتاءٍ واحدةٍ مخففةٍ. والأصلُ: تتميَّزُ بتاءَيْن وبها قرأ طلحةُ والبزيُّ عن ابنِ كثير بتشديدها، بخلافِ قراءتِ ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ ﴿نَاراً تَلَظَّى﴾ وبابِه. وأبو عمرو يُدْغِمُ الدالَ في التاء على أصلِه في المتقارَبيْنِ. وقرأ الضحاك "تمايَزُ" والأصل: تتمايَزُ بتاءَيْن فَحَذَفَ إحداهما. وزيد بن علي "تَمِيْزُ" مِنْ ماز، وهذا كلُّهُ استعارةٌ مِنْ قولِهم: تميَّز فلان من الغيظِ أي: انفصلَ بعضُه من بعض من الغيظ فـ"مِنْ" سببيَّةٌ أي: بسببِ الغَيْظِ. ومثلُه [قولُ الراجزِ] في وصف كَلْبٍ اشتدَّ عَدْوُه:
٤٢٨٥ - يكادُ أَنْ يخرجَ مِنْ إهابِهْ
قوله: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ﴾ قد تقدَّم الكلامُ على "كلما" وهذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً مِنْ ضميرِ جهنَّم.
* ﴿ قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾
قوله: ﴿بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ﴾: فيه دليلٌ على جوازِ الجمعِ بين حرفِ الجوابِ ونفسِ الجملةِ المجابِ بها، إذ لو قالوا: بلى لَفُهِمَ المعنى، ولكنهم أظهروه تَحَسُّراً وزيادةً في تَغَمُّمِهم على تفريطهِم في قبولِ قولِ النذيرِ ولِيَعْطِفوا عليه قولهم: "فكذَّبْنا" إلى آخره.
وقوله: ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ ظاهرُ أنه مِنْ مقولِ الكفارِ للنذير. وجوَّزَ الزمخشريُّ أَنْ يكونَ مِنْ كلامِ الرسلِ للكفرةِ، وحكاه الكفرةُ للخَزَنَةِ أي: قالوا لنا هذا فلم نَقْبَلْه.
* ﴿ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
وقوله: ﴿بِذَنبِهِمْ﴾: وحدَه لأنه مصدرٌ في الأصلِ، ولم يَقْصِدِ التنويعَ بخلافِ "بذنوبهم" في مواضعَ.
(١٤/٣٦)
---