وقال الزمخشريُّ: "فإنْ قلتَ: بم يتصِلُ قولُه "للكافرين"؟ قلت: هو على القولِ الأولِ متصلٌ بعذاب صفةً له، أي: بعذابٍ واقعٍ كائنٍ للكافرين، أو بالفعل، أي: دعا للكافرين بعذابٍ واقعٍ، أو بواقع، أي: بعذابٍ نازلٍ لأَجْلِهم. وعلى الثاني: هو كلامٌ مبتدأٌ، جواباً للسائل، أي: هو للكافرين" انتهى.
قال الشيخ: "وقال الزمشخريُّ: "أو بالفعلِ، أي: دعا للكافرين، ثم قال: وعلى الثاني - وهو ثاني ما ذَكَرَ في توجيهِه للكافرين - قال: هو كلامٌ مبتدأٌ جواباً للسائلِ، أي: هو للكافرين. وكان قد قَرَّر أنَّ "سَأَلَ" ضُمِّن معنى "دعا" فعُدِّيَ تعديتَه، كأنه قال: دعا داعٍ بعذابٍ، مِنْ قولِك: دعا بكذا إذا استدعاه وطَلَبه، ومنه قولُه تعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ﴾ انتهى. فعلى ما قَرَّره أنه متعلِّقٌ بـ"دعا" يعني بـ"سأل"، فكيف يكونُ كلاماً مبتدأ جواباً للسائلِ، أي: هو للكافرين؟ هذا لا يَصِحُّ".
هذا كلامُ الشيخِ برُمَّتِه، وقد غَلِط على أبي القاسم في فَهْمِه عنه قولَه: "وعلى الثاني إلى آخره" فمِنْ ثَمَّ جاء التَّخْبيطُ الذي ذكرَه. والزمخشريُّ إنما عنى بالثاني قولَه: "وعن قتادةَ سأل سائلٌ عن عذابِ الله على مَنْ يَنْزِلُ وبمَنْ يقع، فنزلَتْ، وسأَلَ على هذا الوجهِ مُضَمَّنٌ معنى عُنِيَ واهتم" فهذا هو الوجهُ الثاني المقابِلُ للوجهِ الأولِ: وهو أنَّ "سأَلَ" مضمَّنٌ معنى "دعا"، ولا أدري كيف تَخَبَّط على الشيخِ حتى وقع فيما وَقَعَ، ونَسَبَ الزمخشريَّ إلى الغَلَطِ، وأنه أخذ قولَ قتادةَ والحسنِ وأفسَده؟ والترتيبُ الذي رتَّبه الزمخشريُّ في تعلُّقِ اللامِ مِنْ أحسنِ ما يكونُ صناعةً ومعنى.
* ﴿ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾
(١٤/٨٧)
---