قوله: ﴿وَلاَ تَزِدِ﴾ عطفٌ على قولِه: ﴿رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ على حكايةِ كلامِ نوحٍ بعدَ "قال" وبعد الواوِ النائبةِ عنه، أي: قال: إنهم عَصَوْني، وقال: لا تَزِدْ، أي: قال هذَيْن القولَيْن، فهما في محلِّ النصب، قاله الزمخشريُّ. قال: "كقولك: قال زيدٌ: نوديَ للصلاة وصَلِّ في المسجدِ، تحكي قولَيْه معطوفاً أحدُهما على صاحبِه". وقال الشيخ: "ولا تَزِدْ" معطوفٌ على "قد أَضَلُّوا" لأنها محكيَّةٌ بـ"قال" مضمرةً، ولا يُشْترط التناسُبُ في الجملِ المتعاطفةِ، بل تَعْطِفُ خبراً على طلبٍ، وبالعكس، خلافاً لمَنْ اشترطه.
* ﴿ مِّمَّا خَطِيائَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً ﴾
قوله: ﴿مِّمَّا خَطِيائَاتِهِمْ﴾: "ما" مزيدةٌ بين الجارِّ ومجرورِه توكيداً. ومَنْ لم يَرَ زيادتَها جَعَلها نكرةً، وجَعَلَ "خطيئاتِهم" بدلاً، وفيه تعسُّفٌ. وتقدَّم الخلافُ في قراءةِ "خَطِيْئاتِهم" في الأعراف. وقرأ أبو رجاء "خَطِيَّاتهم" جمعَ سلامةٍ، إلاَّ أنَّه أَدْغَمَ الياءَ في الياءِ المنقلبةِ عن الهمزةِ. والجحدريُّ - وتُرْوى عن أُبَيّ - "خطيئتِهم" بالإِفراد والهمز. وقرأ عبد الله "مِنْ خطيئاتِهم ما أُغْرِقوا" فجعلَ "ما" المزيدةَ بين الفعلِ وما يتعلَّق به. و "مِنْ" للسببيَّةِ تتعلَّقُ بـ"أُغْرِقوا". قال ابن عطية: "لابتداء الغاية"، وليس بواضح. وقرأ العامَّةُ "أُغرِقوا" مِنْ أَغْرق. وزيد بن علي "غُرِّقوا" بالتشديدِ، وكلاهما للنَّقْلِ. تقول: أغرَقْتُ زيداً في الماء، وغَرَّقْتُه فيه.
قوله: ﴿فَأُدْخِلُواْ﴾ يجوز أَنْ يكونَ من التعبيرِ عن المستقبلِ بالماضي، لتحقُِّ وقوعِه، نحو: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ وأَنْ يكونَ على بابِه، والمرادُ عَرْضُهم على النار في قبورِهم، كقولِه في آلِ فرعونَ: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾
(١٤/١٠٨)
---


الصفحة التالية
Icon