سورة الجن
* ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوااْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾
قوله: ﴿أُوحِيَ﴾: هذه قراءةُ العامةِ أعني كونَها مِنْ أَوْحَى رباعياً. وقرأ العَتكِيُّ عن أبي عمروٍ وابنُ أبي عبلة وأبو إياس "وُحِيَ" ثلاثياً، وهما لغتان، يقال: وحى إليه كذا، وأَوْحاه إليه بمعنى واحدٍ. وأُنْشِد للعجاج:
٤٣٤٦ - وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّت
(١٤/١١٠)
وقرأ زيدُ بن علي والكسائيُّ في روايةٍ وابنُ أبي عبلةَ أيضاً "أُحِي" بهمزةٍ مضومة ولا واوَ بعدها. وخُرِّجَتْ على أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الواوِ المضمومةٍ نحو: "أُعِدَ" في "وُعِدَ" فهذه فَرْعُ قراءةِ "وُحِيَ" ثلاثياً. قال الزمخشري: "وهو من القَلْبِ المطلقِ جوازُه في كلِّ واوٍ مضمومةٍ، وقد أطلقَه المازنيُّ في المكسورةِ أيضاً كإشاح وإسادة و ﴿عَآءِ أَخِيهِ﴾، قال الشيخ: "وليس كما ذَكَرَ، بل في ذلك تفصيلٌ. وذلك أنَّ الواوَ المضمومةَ قد تكونُ أولاً وحَشْواً وآخِراً، ولكلٍ منها أحكام. وفي بعضِ ذلك خلافٌ وتفصيلٌ مذكورٌ في النحو". قلت: قد تقدَّم القولُ في ذلك مُشْبَعاً في أولِ هذا الموضوعِ ولله الحمدُ. ثم قال الشيخ: - بعد أن حكى عنه ما قَدَّمْتُه عن المازني - "وهذا تكثيرٌ وتبجُّحٌ. وكان يَذْكُرُ ذلك في سورة يوسف عند قوله ﴿وِعَآءِ أَخِيهِ﴾. وعن المازنيِّ في ذلك قولان، أحدُهما: القياسُ كما ذكر، والثاني: قَصْرُ ذلك على السَّماع". قلت: لم يَبْرَحِ العلماءُ يَذْكرون النظيرَ مع نظيرِه، ولَمَّا ذَكَرَ قَلْبَ الهمزةِ بأطِّرادٍ عند الجميعِ ذَكَرَ قَلْبَها بخلافٍ.
قوله: ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾ هذا هو القائمُ مَقَامَ الفاعل؛ لأنَّه هو المفعولُ الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مَقامَه الجارَّ والمجرورَ، فيكونَ هذا باقياً على نصبِه. والتقدير: أُوْحي إليَّ استماعَ نَفَرٍ. و "مِنْ الجنِّ" صفةٌ لـ"نَفَرٌ" ووَصْفُ القرآنِ بعَجَب: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا عَجَبٍ، وأمَّا بمعنى اسم الفاعلِ، أي: مُعْجِب: و "يَهْدِي" صفةٌ أخرى.
* ﴿ يَهْدِيا إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً ﴾
وقرأ العامَّةُ: ﴿الرُّشْدِ﴾: بضمة وسكونٍ وابن عمر بضمِّها، وعنه أيضاً فَتْحُهما، وتَقَدَّم هذا في الأعراف.
(١٤/١١١)
---


الصفحة التالية
Icon