ووجهُ الكسرِ العطفُ على قوله: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ فيكون الجميعَ معمولاً للقولِ، أي: فقالوا: إنَّا سَمِعْنا، وقالوا: إنَّه تعالى جَدُّ ربِّنا إلى آخرِه. وقال بعضُهم: الجملتان مِنْ قولِه تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾ ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ﴾ معترضتان بين قولِ الجنِّ، وهما مِنْ كلامِ الباري تعالى، والظاهرُ أنَّهما مِنْ كلامِهم، قاله بعضُهم لبعضٍ. ووجهُ الكسرِ والفتحِ في قولِه: ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ ما تقدَّم. ووَجْهُ إجماعِهم على فتح ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ﴾ وجهان، أحدُهما: أنَّه معطوفٌ على ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾ فيكونُ مُوْحى أيضاً. والثاني: أنه على حَذْفِ حرفِ الجرِّ، وذلك الحرفُ متعلِّقٌ بفعل النهي، أي: فلا تَدْعوا مع اللَّهِ أحداً؛ لأنَّ المساجدَ للَّهِ، ذكرهما أبو البقاء.
قال الزمخشري: "أنه استمع" بالفتح؛ لأنَّه فاعلُ "أُوْحي" و ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ بالكسرِ؛ لأنَّه مبتدأٌ مَحْكِيٌّ بعد القولِ، ثم تحملُ عليهما البواقي، فما كان مِنَ الوحي فُتحَ، وما كان مِنْ قَوْل الجِنِّ كُسِرَ، وكلُّهُنَّ مِنْ قولِهم إلاَّ / الثِّنْتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ وهما: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ﴾ ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾. ومَنْ فتح كلَّهن فعَطْفاً على مَحَلِّ الجارِّ والمجرور في ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، أي: صَدَّقْناه، وصَدَّقْنا أنه".
وقرأ العامَّةُ: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ بالفتح مضافاً لـ"رَبِّنا"، والمرادُ به هنا العظمةُ. ويل: قُدْرتُه وأمرُه. وقيل: ذِكْرُه. والجَدُّ أيضاً: الحَظُّ، ومنه قولُه عليه السلام: "ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِ منك الجَدُّ" والجَدُّ أيضاً: أبو الأبِ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر.
(١٤/١١٥)
---