قوله: ﴿ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ "دونَ" بمعنى "غير"، أي: ومِنَّا غيرُ الصالحين، وهو مبتدأٌ، وإنما فُتحَ لإِضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍِ، كقوله: ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ فيمَنْ نَصَبَ على أحدِ الأقوالِ، وإلى هذا نحا الأخفشُ. والثاني: أنَّ "دونَ" على بابِها من الظرفية، وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: ومنا فريقٌ - أو فوجٌ - دونَ ذلك وحَذْفُ الموصوفِ مع "مِنْ "التبعيضيَّةِ يَكْثرُ كقولِهم: منا ظَعَنَ ومنَّا أقام، أي: مِنَّا فرقٌ. والمعنى: ومِنَّا صالحون دونَ أولئك في الصَّلاح.
قوله: ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ التقديرَ: كنَّا ذوي طرائقَ، أي: ذوي مذاهبَ مختلفةٍ. الثاني: أنَّ التقدير: كُنَّا في اختلاف أحوالِنا مثلَ الطرائقِ المختلفةِ. الثالث: أنَّ التقدير: كُنَّا في طرائقَ مختلفةٍ كقولِه.
٤٣٥٣ -.......................... * كما عَسَل الطريقَ الثَّعْلَبُ
الرابع: أنَّ التقديرَ: كانَتْ طرائقُنا قِدَداً، على حَذْفِ المضاف الذي هو الطرائقُ، وإقامةِ الضميرِ المضافِ إليه مُقامَه، قاله الزمخشري، فقد جَعَلَ في ثلاثة أوجهٍ مضافاً محذوفاً؛ لأنَّه قَدَّرَ في الأول: ذوي، وفي الثاني: مِثْلَ، وفي الثالث: طرائقنا. ورَدَّ عليه الشيخ قولَه: كُنَّا في طرائق كقولِه:
............................ * كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
بأنَّ هذا لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةٍ أو نُدورٍ، فلا يَخْرَّج القرآن عليه، يعني تَعَدِّيَ الفعلِ بنفسِه إلى ظرفِ المكانِ المختصِّ.
والقِدَدُ: جمعُ قِدَّة، والمرادُ بها الطريقة، وأصلُها السيرةُ يقال: قِدَّةُ فلانٍ حسنةٌ أي: سِيرتتُه وهو مِنْ قَدَّ السَّيْرَ أي: قَطَعَه على استواءٍ / فاسْتُعير للسِّيرةِ المعتدلةِ قال:
٤٣٥٤ - القابِضُ الباسِطُ الهادِيْ بطاعتِه * في فِتْنة الناسِ إذا أهواؤُهم قِدَدُ
وقال آخر:
(١٤/١٢٠)
---