قوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ﴾: قد تقدَّم أنَّ السبعةَ أجمعَتْ على الفتح، وأنَّ فيه وجَيْنِ: حَذْفَ الجارِّ ويتعلَّقُ بقولِه: "فلا تَدْعُوا" وهو رأَيُ الخليلِ، وجَعَله كقولِه: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾ فإنَّه متعلِّقٌ بقولِه: ﴿فَلْيَعْبُدُواْ﴾ وكقولِه: ﴿وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ أي: ولأنَّ. والثاني: أنَّه عطفٌ على "أنَّه استمع" فيكون مُوْحَى. وقرأ ابن هرمز. وطلحة "وإنَّ المساجدَ" بالكسرِ، وهو مُحْتَمِلٌ للاستئنافِ وللتعليلِ، فيكونُ في المعنى كتقديرِ الخليلِ. والمساجد قيل: هي جَمْعُ "مَسْجِد" بالكسر وهو مَوْضِعُ السجُّودِ، وتَقَدَّم أنَّ قياسَه الفتحُ. وقيل: هو جمع مَسْجَد بالفتح مُراداً به الآرابُ الورادةُ في الحديث: "الجبهةُ والأنفُ والركبتانِ واليدانِ والقَدَمان. وقيل: بل جمعُ مَسْجَد، وهو مصدرٌ بمعنى السُّجود، ويكون الجمعُ لختلافِ الأنواعِ.
* ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾
قوله: ﴿يَدْعُوهُ﴾: في موضع الحالِ أي: داعياً، أي: مُوَحِّداً له.
قوله: ﴿لِبَداً﴾ قرأ هشام بضمِّ اللامِ، والباقون بكسرِها. فالأولى. جمعُ لُبْدَة بضمِّ اللامِ نحو: غُرْفة وغُرَف. وقيل: بل هو اسمٌ مفردٌ صفةٌ من الصفاتِ نحو: "حُطَم"، وعليه قولُه تعالى: ﴿مَالاً لُّبَداً﴾. وأمَّا الثانيةُ: فجمعُ "لِبْدَة" بالكسر نحو: قِرْبَة وقِرَب. واللِّبْدَة واللُّبْدة. الشيءُ المتلبِّدُ أي: المتراكبُ بعضُه على بعضٍ، ومنه لِبْدَة الأسد كقولِه:
٤٣٥٨ -...................... * له لِبْدَةٌ أظفارُه لم تُقَلَّم
ومنه "اللِّبْدُ" لتَلَبُّدِ بعضِه فوق بعض، ولُبَدٌ: اسمُ نَسْرِ لُقمانَ ابنِ عادٍ، عاش مِئَتي سنةٍ حتى قالوا: "طال الأمَدُ على لُبَدٍ" والمعنى: كادَتِ الجِنُّ يكونون عليه جماعاتٍ متراكمةً مُزْدَحمِيْن عليه كاللَّبِدِ.
(١٤/١٢٥)
---


الصفحة التالية
Icon