إلاَّ أنَّ الشيخ اعترض هذا فقال: "وإذا كان "نصفَه" بدلاً مِنْ "إلاَّ قليلاً" فالضميرُ في "نصفَه": إمَّا أَنْ يعودَ على المبدلِ منه أو على المستثنى منه، وهو "الليلَ"، لا جائِزٌ أَنْ يعودَ على المبدلِ منه؛ لأنه يَصيرُ استثناءَ مجهولٍ مِنْ مجهولٍ؛ إذ التقديرُ: إلاَّ قليلاً نصفَ القليل، وهذا لا يَصِحُّ له معنىً البتةَ، وإن عاد الضميرُ على الليل فلا فائدةٌ من الاستثناءِ من "الليل"، إذ كان يكونُ أَخْصَرَ وأوضحَ وأَبْعَدَ عن الإِلباس: قُمِ الليلَ نصفَه. وقد أَبْطَلْنا قولَ مَنْ قال: "إلاَّ قليلاً" استثناءٌ من البدلِ، وهو "نصفَه"، وأنَّ التقديرَ: قُمْ الليلَ نصفَه إلاَّ قليلاً منه، أي: من النصفِ. وأيضاً: ففي دَعْوى أنَّ "نصفَه" بدلٌ مِنْ "إلاَّ قليلاً" والضميرُ في "نصفَه" عائدٌ على "الليل"، إطلاقُ القليلِ على النصفِ، ويَلْزَمُ أيضاً أَنْ يصيرَ التقديرُ: إلاَّ نصفَه فلا تَقُمْه /، أو انقُصْ من النصفِ الذي لا تقومه وهذا معنىً لا يَصِحُّ وليس المرادَ من الآيةِ قطعاً".
قلت: نقولُ بجواز عَوْدِه على كلٍ منهما، ولا يَلْزَمُ محذورٌ. أمَّا ما ذكره: مِنْ أنه يكونُ استثناءَ مجهولٍ مِنْ مجهولٍ فممنوعٌ، بل هو استثناءُ معلومٍ من معلومٍ، لأنَّا قد بَيَّنَّا أنَّ القليل قَدْرٌ معيَّنٌ وهو الثلثُ، والليل، فليس بمجهولٍ. وأيضاً فاستثناءُ المُبْهَمِ قد وَرَدَ. قال تعالى: ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾. وقال تعالى: ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ وكان حقُّه أَنْ يقولَ: لأنه بدلُ مجهولٍ مِن مجهولٍ. ومَّا ما ذكره مِنْ أَنْ أَخْصَرَ منه وأَوْضَحَ كيتَ وكيت: أمَّا الأخْصَرُ فمُسَلَّمٌ. وأمَّا أنه مُلْبِس فممنوعٌ، وإنما عَدَلَ عن اللفظِ الذي ذكَرَه لأنه أَبْلَغ.
(١٤/١٣٧)
---


الصفحة التالية
Icon