قوله: ﴿فِيمَ أَنتَ﴾: "فيم" خبرٌ مقدمُ، و "أنت" مبتدأٌ مؤخرٌ و "مِنْ ذِكْراها" متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به الخبرُ، والمعنى: أنت في أيِّ شيءٍ مِنْ ذِكْراها، أي: ما أنت مِنْ ذكراها لهم وتبيينِ وقتِها في شيءٍ. وقال الزمخشريُّ عن عائشةَ رضي الله عنها: "لم يَزَلْ عليه السلامُ يَذْكُرِ الساعةَ، ويُسْألُ عنها حتى نَزَلَتْ". قال: فعلى هذا هو تَعَجُّبٌ مِنْ كثرةِ ذِكْرِ لها، كأنَّه قيل: في أيِّ شُغْلٍ واهتمامٍ أنا مِنْ ذِكراها والسؤال عنها". وقيل: الوقفُ على قولِه: "فيمَ" وهو خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: فيم هذا السؤالُ، ثم يُبْتدأ بقولِه: ﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾، أي: إرسالُك وأنت خاتمُ الأنبياءِ، وآخرُ الرسلِ، والمبعوثُ في نَسْمِ الساعةِ، ذِكْرٌ مِنْ ذِكْراها وعلامةُ مِنْ علاماتِها، فكَفاهم بذلك دليلاً على دُنُوِّها ومشارَفَتِها والاستعدادِ لها، ولا معنى لسؤالِهم عنها، قاله الزمخشري، وهو كلامٌ حسنٌ لولا أنه يُخالِفُ الظاهرَ ومُفَكِّكٌ لنَظْمِ الكلامِ.
* ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾
قوله: ﴿مُنذِرُ مَن﴾: العامَّةُ على إضافةِ الصفةِ لِمعمولِها تخفيفاً. وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو جعفر وطلحة وابن محيصن بالتنوين. قال الزمخشريُّ: "وهو الأصلُ، والإِضافةُ تخفيفٌ، وكلاهما يَصْلُحُ للحالِ الاستقبالِ. فإذا أُريد الماضي فليس إلاَّ الإِضافةُ كقولِك: هو مُنْذِرُ زيدٍ أمسِ". قال الشيخ: "قوله: "هو الأصلُ" يعنى التنوينَ هو قولٌ قاله غيرُه، ثم اختار الشيخُ أنَّ الأصلَ الإِضافةُ. قال: "لأنَّ العملَ إنما هو بالشَّبه، والإِضافةُ أصلٌ في الأسماءِ. ثم قال: "وقوله فليس إلاَّ الإِضافةُ فيه تفصيلٌ وخِلافٌ مذكورٌ في النحوط. قلت: لا يُلْزِمُه أَنْ يَذْكُرَ محلَّ الوفاقِ، بل هذان اللذن ذكرهما مذهبُ جماهيرِ الناسِ.
* ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾
(١٤/٢٦٨)
قوله: ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾: أي: ضُحى العَشِيَّةِ، أضاف الظرفَ إلى ضميرِ الظرفِ الآخرة تجوُّزاً واتِّساعاً، وذَكَرهما لأنهما طرفا النهارِ، وحَسَّن هذه الإِضافةَ وقوعُ الكلمةِ فاصلةً.