قوله: ﴿فَتَنفَعَهُ﴾: قرأ عاصم بنصبه، والباقون برفعه. فأمَّا نصبُه فعلى جوابِ الترجِّي كقوله: ﴿فَأَطَّلِعَ﴾ في سورة المؤمن وهو مذهبٌ كوفيٌّ، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك. وقال ابن عطية: "في جواب التمني؛ لأنَّ قولَه "أو يَذَّكَّرُ" في حكم قولِه "لعلَّه يزَّكَّى". قال الشيخ: "وهذا ليس تمنياً إنما هو تَرَجٍّ". قلت: إنما يريد التمنيَ المفهومَ من الكلام، ويدلُّ له ما قال أبو البقاء: "وبالنصب على جواب التمنِّي في المعنى" وإلاَّ فالفرقُ بين التمني والترجِّي لا يَجْهَلُه أبو محمد. وقال مكي: "مَنْ نصبه جَعَلَه جوابَ "علَّ" بالفاء لأنه غيرُ موجَبٍ فأشبه التمنيَ والاستفهامَ، وهو غيرُ معروفٍ عند البصريين".
وقرأ عاصمٌ في ورايةٍ والأعرجُ "أو يَذْكُرُ" بسكونِ الذالِ وتخفيفِ الكافِ مضومةً مضارعَ ذَكَرَ.
* ﴿ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾
قوله: ﴿تَصَدَّى﴾ تقدَّمَتْ / فيه قراءتا التثقيلِ والتخفيفِ، ومعناه تتعرَّضُ. يُقال: تَصَدَّى، أي: تَعَرَّضَ وأصلُه تَصَدَّدَ من الصَّدَدِ، وهو ما استقبلك وصار قُبالتَك، فأبدلَ أحدَ الأمثالِ حرفَ علةٍ نحو: تَظَنَّيْتُ وَقَصَّيْتُ أَظْفاري و:
٤٤٩٨ - تَقَضِّيَ البازِيْ.........
قال الشاعر:
٤٤٩٩ - تَصَدَّى لِوَضَّاحٍ كأنَّ جَبينَه * سِراجُ الدُّجى تُجْبَى إليه الأساوِرُ
وقيل: هو من الصَّدى، وهو الصوتُ المسموعُ في الأماكنِ الخاليةِ والأجرامِ الصُّلبةِ. وقيل: من الصَّدى وهو العطش، والمعنى على التعرض، ويُتَمَحَّلُ لذلك إذا قلنا: أًصلُه من الصوت أو العطش.
وقرأ أبو جعفر "تُصَدَّى" بضمِّ التاءِ وتخفيفِ الصادِ، أي: تَصَدِّيك يُحَرِّضُك على إسلامِه. يقال: تَصَدِّي الرجلِ وتَصْدِيَتُه. وقال الزمخشري: "وقُرِىء "تُصَدَّى" بضم التاء، أي: تُعَرَّضُ، ومعناه: يَدْعوك داعٍ إلى التَّصَدِّي له من الحِرْصِ والتهالُكِ على إسلامِه".
* ﴿ وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ﴾
(١٤/٢٧٠)
---


الصفحة التالية
Icon