(١٤/٢٧٥)
٤٥٠٤ - جِذْمُنا قَيْسٌ ونَجْدٌ دارُنا * ولنا الأَبُّ بشها والمَكْرَعُ
وأبَّ لكذات، أي: تَهَيَّأن يَؤُبُّ أبَّاً وأَبابة وأَباباً. وأبَّ إلى وطنِهِ، إذا نَزَعَ إليه نُزوعاً، تَهَيَّأَ لِقَصْدِه، وكذا أبَّ لِسَيْفِه، أي: تهيَّأ لِسَلِّه. وقولُهم: "إبَّانَ ذلك" هو فِعْلان منه، وهو الزمانُ المُهَيَّأُ لفِعْلِه ومجيئِه.
* ﴿ فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ ﴾
قوله: ﴿الصَّآخَّةُ﴾: الصَّيحَةُ التي تَصُخُ الآذانَ، أي: تَصُمُّها لشِدَّةِ وَقْعَتِها. وقيل: هي مأخوذةٌ مِنْ صَخَّة بالحجَرِ، أي: صَكَّة به. وقال الزمخشري: "صَخَّ لحديثِه مثلَ أصاخ فوُصِفَتِ النَّفْخَةُ بالصاخَّة مجازاً؛ لأنَّ الناسَ يَصِخُّون لها". وقال ابن العربي: "الصَّاخَّة: التي تُوْرِثُ الصَّمَمَ، وإنها لَمُسْمِعَةٌ، وهذا مِنْ بديع الفصاحة كقوله:
٤٥٠٥ - أصَمَّهُمْ سِرُّهُمْ أيَّامَ فُرْقَتِهمْ * فهل سَمِعْتُمْ بسِرٍ يُوْرِث الصَّمَما
وقال: ٤٥٠٦ - أَصَمَّ بك النَّاعي وإنْ كانَ أَسْمَعا *.........................
وجوابُ "إذا" محذوفٌ، يَدُلُّ عليه قولُه ﴿لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، أي: التقديرُ: فإذا جاءَتِ الصَّاخةُ اشتغلَ كلُّ أحدٍ بنفسِه.
* ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾
قوله: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ﴾: بدلٌ مِنْ "إذا"، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ "يُغْنِيْه" عاملاً في "إذا" ولا في "يومَ" لأنه صفةٌ لشَأْن، ولا يتقدَّمُ معمولُ الصفةِ على موصوفِها. والعامَّةُ على "يُغْنيه" من الإِغناء، وابن محيصن والزُّهريُّ وابن أبي عبلة وحميد وابن السَّمَيْفَع "يَعْنِيه" بفتح الياء وبالعينِ المهملةِ، مِنْ قولِهم: عَناني الأمرُ، أي: قَصَدني.
* ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴾
(١٤/٢٧٦)
قوله: ﴿غَبَرَةٌ﴾: الغَبَرَةُ: الغُبارُ، والقَتَرَةُ: سضوادٌ كالدُّخان. وقال أبو عبيدة: "القَتَرُ في كلامِ العربِ: الغبارُ جمعُ القَتَرة". قال الفرزدق:
٤٥٠٧ - مُتَوَّجٌ برِداءِ المُلْكِ يَتْبَعُه * مَوْجٌ ترى فوقَه الراياتِ والقَتَرا
قلت: وفي عطفِه على الغَبَرة ما يَرُدُّ هذا، إلاَّ أَنْ يقولَ: لَمَّا اختلفَ اللفظانِ حَسُن العطفُ كقولِه:
٤٥٠٨ -.................... *...................... كَذِباً ومَيْنا
وقوله:
٤٥٠٩ -...................... *............ النَّأْيُ والبُعْدُ
وهو خلافُ الأصلِ. والعامَّةُ على فتحِ التاءِ مِنْ "قَتَرة"، وأَسْكنها ابنُ أبي عبلة.