سورة المطففين
* ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾
قوله: ﴿وَيْلٌ﴾: مبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ به كونُه دعاءً. ولو نُصِبَ لجاز. وقال مكي: "والمختارُ في "وَيْل" وشبهِه إذا كان غيرَ مضافٍ الرفعُ. ويجوزُ النصبُ، فإنْ كانَ مضافاً أو مُعَرَّفاً كان الاختيارُ / فهي النصبَ نحو: ﴿وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ﴾. و "للمُطَفِّفين" خبرُه.
والمُطَفِّفُ: المُنَقِّصُ. وحقيقتُه: الأَخْذُ في كيلٍ، أو وَزْنٍ، شيئاً طفيفاً، أي: نَزْراً حقيراً، ومنه قولُهم: "دونَ الطَّفيف"، أي: الشيء التافِه لقلَّتِه.
* ﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾
(١٤/٢٨٦)
قوله: ﴿عَلَى النَّاسِ﴾: فيه وجهٌ: أحدُها: أنَّه متعلِّقٌ بـ"اكْتالوا" و "على" و "مِنْ" تَعْتَقِبان هنا. قال الفراء: "يقال: اكْتَلْتُ على الناس: استَوْفَيْتُ منهم، واكْتَلْتُ منهم: أَخَذْتُ ما عليهم" وقيل: "على" بمعنى "مِنْ". يقال: اكْتَلْتُ عليه ومنه، بمعنىً، والأولُ أوضحُ. وقيل: "على" تتعلَّقُ بـ"يَسْتَوْفُون". قال الزمخشري: "لَمَّا كان اكْتِيالُهم اكتيالاً يَضُرُّهُمْ ويُتَحامَلُ فيه عليهم أبدلَ "على" مكانَ "مِنْ" للدلالة على ذلك. ويجوزُ أن تتعلَّقَ بـ"يَسْتَوْفون"، وقدَّم المفعولَ على الفعل لإِفادةِ الخصوصيةِ، أي: يَسْتَوْفون على الناس خاصةً، فأمَّا أنفسُهم فَيَسْتَوْفون لها" انتهى. وهو حسنٌ.
* ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾
قوله: ﴿كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ﴾: رُسِمتا في المصحفِ بغير ألفٍ بعد الواوِ في الفعلَيْن، فمِنْ ثَمَّ اختلفَ الناسُ في "هم" على وجهين، أحدهما: هو ضميرُ نصبٍ، فيكونُ مفعولاً به، ويعودُ على الناس، أي: وإذا كالُوا الناسَ، أو وَزَنوا الناسَ. وعلى هذا فالأصلُ في هذَيْن الفعلَيْن التعدِّي لاثنين، لأحدِهما بنفسِه بلا خِلافٍ، وللآخرِ بحرفِ الجرِّ، ويجوزُ حَذْفُه. وهل كلٌّ منهما أصلٌ بنفسِه، أو أحدُهما أصلٌ للأآخر؟ خلافٌ مشهورٌ. والتقدير: وإذا كالوا لهم طعاماً أو وَزَنُوا لهم، فحُذِف الحرفُ والمفعولُ المُسَرَّح. وأنشد الزمخشريُّ:
٤٥١٣ - ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَساقِلاً * ولقد نَهْيْتُك عَن بناتِ الأَوْبَرِ
(١٤/٢٨٧)
---


الصفحة التالية
Icon