وقال أبو البقاء: "العُسْرُ في الموضعَيْنِ واحدٌ؛ لأنَّ الألفَ واللامَ توجبُ تكريرَ الأولِ، وأمَّا "يُسْراً" في الموضعَيْنِ فاثنانِ، لأنَّ النكرةَ إذا أُريد تكريرُها جيءَ بضميرها أو بالألف واللام، ومن هنا قيل: "لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن" وقال الزمخشري أيضاً: "فإنْ قلتَ: إنَّ "مع" للصحبة، فما معنى اصطحابِ اليُسْرِ والعُسْرِ؟ قلت: أراد أنَّ اللَّهَ تعالى يُصيبهم بيُسرٍ بعد العُسْر الذي كانوا فيه بزمانٍ قريب، فَقَرُبَ اليُسْرُ المترقَّبُ حتى جَعَله كأنَّه كالمقارِنِ للعُسْر، زيادةً في التسلية وتقويةً للقلوب" وقال أيضاً: فإنْ قلتَ ما معنى هذا التكير؟ قلت: التفخيمُ كأنه قيل: إنَّ مع العُسر يُسْراً عظيماً وأيَّ يُسْرٍ؟ وهو في مُصْحفِ بان مسعودٍ مرةٌ واحدٌ. فإنْ قلت: فإذا ثَبَتَ في قراءتِه غيرَ مكررٍ فلِمَ قال: "والذي نفسي بيده لو كان العُسْرُ في جُحْرٍ لطَلَبه اليُسرُ حتى يَدْخُلَ عله، لن يَغْلَب عُسْرٌ يُسْرَيْن" قلت: "كأنه قَصَدَ باليُسْرين ما في قوله "يُسْراً" مِنْ معنى التفخيم، فتأوَّله بـ "يُسْرِ الدارَيْن" وذلك يُسْران في الحقيقة".
* ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾
قوله: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾: العامَّةُ على فتح الراءِ مِنْ "فَرَعْتَ" وهي الشهيرةُ، وقرأها أبو السَّمَال مكسورةً، وهي لُغَيَّةُ قال الزمخشري: "ليسَتْ بالفصيحة" وقال الزمخشري: "فإنْ قلتَ فيكف تعلَّق قولُه "فإذا فَرَغْتَ فانصَبْ" بما قبلَه؟ قلتُ: لَمَّا عَدَّد نِعَمَه السَالفةَ ووعْدَه الآنفةَ بعثَة على الشكرِ والاجتهادِ في العبادة. عن ابن عباسٍ: فإذا فَرَغْتَ مِنء صلاتِك فانصَبْ في الدعاء".
(١٤/٣٦٧)
---