وقرأ العامَّةُ بتخفيفِ الثاءِ، مِنْ أثار كذار: إذا نَشَره وفَرَّقه مع ارتفاعٍ. وقرأ أبو حَيْوَة وابن أبي عبلة بتشديدها، وخَرَّجه الزمخشريُّ على وجهَيْن: الأولُ بمعنى فأَظْهَرنَ به غباراً؛ لأنَّ التأثيرَ فيه معنى الإظهارِ. والثاني: أنه قَلَبَ "ثَوَّرْنَ" إلى "وَثَّرْنَ" وقَلَبَ الواوَ همزةً. انتهى. قلت: يعني أنَّ الأصلَ: ثَوَّرْنَ، مِنْ ثَوَّر يُثَوَّر يُثَوِّرُ بالتشديد عَدَّاه بالتضعيف كما يُعَدَّى بالهمزة في قولك: أثاره، ثم قَلَبَ الكلمةَ: بأنْ جَعَلْ العينَ وهي الواوُ موضعَ الفاء، وهي الثاءُ، فصارت وَثَّرْنَ، ووزنُها حينئذٍ عَفَّلْنَ، ثم قَلَبَ الواوَ همزةً، فصار "أَثَرْنَ" وهذا بعيدٌ جداً. وعلى تقدير التسليم فَقَلْبُ الواوِ المفتوحةِ همزةً لا يَنْقاس إنما جاءت منه أُلَيْفاظٌ كأَحَدٍ وأَناةٍ. والنَّقْعُ: الغبار وأُنْشِد:
٤٦٢٣- يَخْرُجْنَ مِنْ مُشْطارِ النَّقْعِ داميةً * كأنَّ آذانَها أطرافُ أَفْلامِ
وقال ابن رَواحة:
٤٦٢٤- عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ ترَوْها * تُثير النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَداءِ
وقال أبو عبيد: "النَّقْعُ رَفْعُ الصوتِ" وأَنْشَد:
٤٦٢٥- فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ * يُحْلِبُوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
قال الزمخشري: "ويجوزُ أَنْ يُرادَ بالنَّقْع الصياحُ، من قوله عليه السلام: "ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ" وقولُ لبيد:
فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ *......................
أي: هَيَّجْنَ في المَغارِ عليخم صَباحاً" انتهى. فعلى هذا تكون الباءُ بمعنى "في" ويعودُ الضمير على المكانِ الذي فيه الإغارةُ كما تقدَّمَ.
* ﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾
(١٤/٣٨٧)
---


الصفحة التالية
Icon