ثم قال الشيخ: "والذي أختارُ في هذه الجملِ أنه نفي عبادتَه في المستقبل؛ لأن الغالِبَ في "لا" أَنْ تنفي المستقبلَ، ثم عَطَفَ عليه ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ نَفْياً للمستقبل، على سبيل المقابلةِ. ثم قال: ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ نَفْياً للحال؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ العاملَ الحقيقةُ فيه دلالتُه على الحالِ، ثم عَطَفَ عليه ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ نَفْياً للحال على سبيل المقابلةِ، فانتظم المعنى أنَّه عليه السلام لا يَعْبُدُ ما يعبدون حالاً ولا مستقبلاً. وهم كذلك إذ حَتَم الله تعالى موافاتَهم على الكفر. ولَمَّا قال: "لا أعبدُ ما تبعدون" فأطلق "ما" على الأصنامِ قابلَ الكلام بـ "ما" في قوله "ما أعبد" وإنْ كان المرادُ بها اللَّهَ تعالى؛ لأنَّ المقابلةَ يسوغُ فيها ما لا يَسُوغ فيا لانفرادِ. وهذا على مذهب مَنْ يقول: إنَّ "ما" لا تقع على آحادِ ألوي العلمِ. أمَّا مَنْ يُجَوِّزُ ذلك - وهو مذهبُ سيبويه - فلا يَحْتاج إلى الاستعذارِ بالتقابلِ".