انتهى كلامُ سيبويه. قال الشيخ: "فأنت تَرَى كلامَه وتمثيلَه بالظرف الذي يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. ومعنى قوله ﴿مستقرَّاً﴾ أي: خبراً للمبتدأ أو لكانز فإن قلت: فقد مَثَّل بالآية. قلت: هذا أوقَع مكيَّاً والزمخشريَّ وغيرَهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أنَّ الظرفَ التامَّ وهو في قولِه:
ما دامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّاً
أُجْري فَضْلةً لا خبراً كما أنَّ "له" في الآية أُجْرِي فَضْلَةً فجعلَ الظرفَ القابلَ أن يكون خبراً كالظرفِ الناقصِ في كونِه لم يُستعمل خبراً. ولا يَشُكُّ مَنْ له ذِهْنٌ صحيحٌ أنه لا ينعقدُ كلامٌ مِنْ "له أحد" بل لو تأخَّرَ "كُفُوا" وارتفع على الصفة وقد جَعَل "له" خبارً لم ينعقِدْ منه كلامٌ. بل أنت ترى أنَّ النفيَ لم يتسلَّطْ إلاَّ على الخبرِ الذي هو "كُفُواً" والمعنى: لم يكنْ أحدٌ مكافئِه" انتهى ما قاله الشيخ.
وقوله: "ولا يَشُكُّ أحدٌ" إلى آخره تَهْوِيلٌ على الناظرِ. وإلاَّ فقولُه: "هذا الظرفُ ناقصٌ" ممنوعٌ؛ لأنَّ الظرفَ الناقصَ عبارةٌ عَمَّا لم يكُنْ في الإخبار به فائدةٌ، كالمقطوعِ عن الإضافة، ونحوِ "في دار رجلٌ" وقد نَقَل عن سيبويه الأمثلَلَ المتقدمة نحو: "ما كان فيها أحدٌ خيراً منك"، وما الفرق بين هذا وبين الآية الكريمة؟ وكيف يقول هذا وقد قال سيبويه في آخر كلامهِ: "التقديمُ والتأخيرُ والإلغاء والاستقرارُ عربيٌّ جيدٌ كثيرٌ"؟
وقرأ العامَّةُ بضمِّ الكافِ والفاء. وسَهَّل الهمزةَ الأعرجُ وشيبهُ ونافعٌ في رواية. وأسكنَ الفاءَ حمزةُ، وأبدل الهمزةَ واواً وقفاً خاصة. وأبدلها حفصٌ واواً مطلقاً. والباقون بالهمزِ مطلقاً. وقد تقدَّم الكلامُ على هذا في أوئل البقرة في قوله: ﴿هُزُواً
﴾. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس "كِفاءٌ" بالكسر والمدِّ، أي: لا مِثْلَ له. وأُنْشِدَ للنابغة:
٤٦٨١- لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ له *.................
(١٥/١٥)
ونافعٌ في رواية "كِفا" بالكسر وفتح الفاء مِنْ غير مَدّ، كأنه نَقَل حركةَ الهمزةِ وحَذَفَها. والكُفْءُ: النظيرُ. وهذا كفْءٌ لك، أي: نظيرُكَ والاسم الكَفاءة بالفتح.