قوله: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ في نصبه ثلاثةُ أوجهٍ أحدُها: أَنْ يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، وذلك المصدرُ المحذوفُ: إمَّا مصدرُ "كُتِب" أو مصدرُ "أَوْصى" أي كَتْباً أو إيصاءً حقاً. الثاني: أنه حالٌ من المصدَرِ المُعَرَّفِ المحذوف: [إِمَّا] مصدرُ "كُتِب" أو "أَوْصَى" كما تقدَّم. الثالث: أَنْ يَنْتَصِبَ على أنه مؤكد لمضمونِ الجملة، فيكونُ عاملُه محذوفاً، أي: حَقَّ ذلك حقاً، قاله الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء. وقال الشيخ: "وهذا تَأْباه القواعدُ النحوية، لأنَّ ظاهرَ قولِه :"على المتقين" أن يتعلَّق بـ"حقاً" أو يكونَ في موضعِ الصفة له، وكِلا التقديرين لا يجوزُ. أمَّا الأولُ فلأنَّ المصدرَ المؤكِّد لا يعملُ، وأمَّا الثاني فلأن [الوصفَ يُخْرِجُه عن التأكيد]، وهذا لاَ يَلْزَمُهم فإنهم والحالةُ هذه لا يقولونُ إنَّ "على المتقين" متلِّقٌ به. وقد نَصَّ على ذلك أبو البقاء فإنه قال: / "وقيل هو متعلقٌ بنفسِ المصدرِ وهو ضعيفٌ، لأنَّ المصدرَ المؤكِّد لا يعملُ، وإنما يَعْمَلُ المصدرُ المنتصِبُ بالفعلِ المحذوفِ إذ نابَ عنه كقولِك: ضرباً زيداً، أي: اضرِبْ" إلا أنه جَعَله صفَةً لحقّ، فهذا يَرِدُ عليه.
وقال بعضُ المُعْرِبين: "إنه مؤكِّدُ لِما تَضمَّنَه معنى "المتقين" كأنه قيل: على المتقين حقاً، كقوله: ﴿أُوْلاائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾. وهذا ضعيفٌ لتقدُّمِه على عامِله الموصولِ، ولأنه لا يتبادَرُ إلى الذهن.
قال الشيخ: "والأَوْلى عندي أن يكونَ مصدراً مِنْ معنى "كُتب" لأنَّ معنى "كَتَبَ الوصيةَ" أي: حَقَّتْ وَوَجَبَتْ، فهو مصدرٌ على غيرِ الصَّدْر نحو: قَعَدْتُ جلوساً.
* ﴿ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
(٢/٢٤٦)
---


الصفحة التالية
Icon