وقد رَدَّ بعضً الناسِ هذه القراءةَ. وقال ابن عطية: "تشديدُ الياء في هذه اللفظةِ ضعيفٌ" وإنما قالوا بِبُطْلاَنِ هذه القراءةِ لأنها عندهم من ذوات الواوِ وهو الطَّوْق، فمن أين تَجِيءُ الياءُ؟ وهذه القراءةُ ليس باطلةً ولا ضعيفةً، ولها تخريجٌ حسنُ: وهو أنَّ هذه القراءةَ ليست مِنْ تَفَعَّل حتى يلزمَ ما قالوه من الإشكال، وإنما هي من تَفَيْعَل، والأصلُ: تَطَيْوَق من الطَّوْقِ، كتَدَيَّر وتَحَيَّر من الدَّوَران، والحَوْر، والأصلُ: تَدَيْوَر وتَحَيْوَرَ، فاجتمعت الياءُ والوُ، وسبقت إحداهما بالسكونِ فقُلِبَت الواوُ ياءً، وأُدْغِمَت الياءُ في الياءِ، فكان الأصلُ: يَتَطَيْوَقُونه، ثم أُدْغِمَ بعد القلبِ، فَمَنْ قَرَأَه "يَطَّيَّقونه" بفتح الياءِ بناه للفاعل، ومَنْ ضَمَّها بَناه للمفعول. وتَحْتَمِل قراءةُ التشديد في الواوِ أو الياءِ أن تكونَ للتكلفِ، أي: يتكلَّفون إطاقَتَه، وذلك مجازق من الطَّوْقِ الذي هو القِلاَدَةُ، كأنه بمنزلةِ القِلادَةِ في أَعْنَاقِهِم.
وأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أنَّ "لا" محذوفةٌ قبلَ "يُطِيقُونَه" وأنَّ التقديرَ: "لا يُطيقونه" ونَظَّره بقولِهِ:
٨٤٠ - فخالِفْ فلا واللَّهِ تَهْبِطُ تَلْعَةً * من الأرضِ إلا أنت للذلِّ عارِفُ
وقوله:
٨٤١ - آليتُ أمدحُ مُغْرَما أبداً * يَبْقى المديحُ وَيذْهَبُ الرِّفْدُ
وقوله:
٨٤٢ - فقلتُ يمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قاعِداً * ولو قَطَعوا رأسي لديك وأَوْصَالي
المعنى: لا تهبط ولا أمدح ولا أبرحُ. وهذا ليس بشيء، لأنَّ حَذْفَهَا مُلْبِسٌ، وأمَّا الأبياء المذكورةٌ فلدلالةِ القَسَمِ على النفي.
والهاءُ في "يُطِيقُونَه" للصومِ، وقيل: للفِداءِ، قاله الفراء.
(٢/٢٥٦)
---


الصفحة التالية
Icon