قوله: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ "مَنْ" فيها الوجهانِ: أعني كونَها موصولةً أو شرطيةً، وهو الأظهرُ. و "منكم" في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الضميِ المستكنِّ في "شَهِدَ"، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: كائناً منكم. وقال أبو البقاء: "منكم" حالٌ من الفاعلِ، وهي متعلقةٌ بـ"شِهِدَ". قال الشيخ: "فَناقَضَ، لأنَّ جَعْلَهَا حالاً يوجِبُ أَن يكونَ عاملُها محذوفاً، وجَعْلَها متعلقةً بشَهِدَ يوجِبُ ألاَّ تكونَ حالاً". ويمكنُ أَنْ يُجابَ عن اعتراضِ الشيخ عليه بأنَّ مرادَه التعلُّق المعنوي، فإنَّ كائناً الذي هو عاملٌ في قولِه "منكم" هو متعلِّقٌ بشَهِدَ، وهو الحالُ حقيقةً.
وفي نَصْبِ "الشهر" قولان، أحدثهما: أنَّه منصوبٌ على الظرف، والمرادُ بشَهِدَ: حَضَر ويكونُ مفعولُ "شَهِدَ" محذوفاً تقديرُه: فَمَنْ شَهِدَ منكُم المِصْرَ أو البلدَ في الشهرِ. والثاني: أنه منصوبٌ على المفعولِ به، وهو على حَذْفِ مضافٍ. ثم اختلفوا في تقدير ذلك المضاف: فالصحيحُ أنَّ تقديره "دخول الشهر". وقال بعضُهم: هلال الشهر، وهذا ضعفٌ لوجهين، أحدهما: أنك لا تقول: شَهِدْتُ الهلالَ، إنما تقول: شاهَدْتُ الهِلالَ.
والثاني: أنه كان يَلْزَمُ الصومَ كلُّ مَنْ شَهِدَ الهلالَ، وليس كذلك. وقال الزمخشري: "الشهرَ منصوبٌ على الظرف، وكذلك الهاءُ في "فَلْيَصُمْه"، ولا يكونُ مفعولاً به كقولك: شَهِدْتُ الجمعة، لأنَّ المقيمَ والمسافِرَ كِلاهُما شاهِدَان للشهرِ" وفي قوله: "الهاء منصوبةٌ على الظرفِ" فيه نظرٌ لا يَخْفَى، لأنَّ الفعلَ لا يتعدَّى لضميرِ الظَرْفِ إلا بـ"في"، اللهم إلاَّ أَنْ يُتَوَسَّع فيه، فَيُنْصَبَ نَصْبَ المفعولِ به، وهو قد نَصَّ على أَنَّ نَصْبَ الهاءِ أيضاً على الظرفِ.
(٢/٢٦٦)
---