وقوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ﴾ لا محلَّ له من الإِعراب، لأنه بيانٌ للإِحلالِ فهو استئنافٌ وتفسيرٌ: وقَدَّمَ قولَه: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ﴾ على ﴿وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ تنبيهاً على ظهورِ احتياجِ الرجل للمرأةِ وعَدَم صَبْرِهِ عنها، ولأنَّه هو البادىءُ بطلبِ ذلك، وكَنَى باللباسِ عن شِدَّة المخالَطَةِ كقولِهِ - هو النابغة الجَعْدِي -:
٨٦١ - إذا ما الضجيعُ ثُنَى جيدَها * تَثَنَّتْ عليه فكانَتْ لباسا
وفيه أيضاً:
٨٦٢ - لَبِسْتُ أُناساً فَأَفْنَيْتُهُمْ * وَأَفْنَيْتُ بعد أُناسٍ أُناسا
قوله: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ قد تقدَّم الكلامُ على "الآن". وفي وقوعِهِ ظرفاً للأمرِ تأويلٌ، وذلك أنه للزمنِ الحاضِرِ والأمرُ مستقبلٌ أبداً، وتأويلُهُ ما قاله أبو البقاء قال: "والآن: حقيقَتُه الوقتُ الذي أَنْتَ فيه، وقد يفع على الماضي القريب منكَ، وعلى المستقبلِ القريبِ، تنزيلاً للقريبِ منزلةَ الحاضِرِ، وهو المرادُ هنا، لأنَّ قولَه: "فالآن باشِروهُنَّ" أي: فالوقتُ الذي كان يُحَرَّمُ عليكم فيه الجِماعُ من الليل" وقيل: هذا كلامٌ محمولٌ على معناه، والتقدير: فالآن قد أَبَحْنا لكم مباشَرَتَهُنَّ، ودَلَّ على هذا المحذوفِ لفظُ الأمرِ فالآن على حقيقته،
وقرىء: "واتَّبِعُوا" من الاتِّباع، وتُرْوى عن ابن عباس ومعاوية ابن قرة والحسن البصري. وفَسَّروا "ما كَتَبَ اللَّهُ" بليلةِ القدر، أي: اتَّبِعوا ثوابها، قال الزمخشري: "وهو قريبٌ من بِدَعِ التفاسير".
قوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ "حتى" هنا غايةٌ لقولِهِ: "كُلُوا واشربوا" بمعنى إلى، ويقال: تَبَيَّن الشيءُ وأبان واستبان وبانَ كُلُّه بمعنىً، وكلُّها تكونُ متعديةٌ ولازمةً، إلاَّ "بان" فلازمٌ ليس إلاَّ. و "مِن الخيط" مِنْ لابتداءِ الغاية وهي ومجرورُها في محلِّ نصبٍ بيتبيَّن، لأنَّ المعنى: حتى يُبايِن الخيطُ الأبيضُ من الأسودَ.
(٢/٢٧٧)
---