قوله: ﴿إِلَى الَّليْلِ﴾ فيه وجهان: أحدُهما: أنه متعلِّق بالإِتمامِ فهو غايةٌ له. والثاني: أنه في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الصيام، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: كائناً إلى الليل، و "إلى" إذا كان ما بعدها من غيرِ جنسِ ما قبلَها لم يدخُلْ فيه، والآيةُ من هذا القبيلِ.
"وأنتم عاكفون" جملةٌ حاليةٌ من فاعل "تباشروهُنَّ"، والمعنى: لا تباشروهُنَّ وقد نَوَيْتُم الاعتكافَ في المسجد، وليس المرادُ النهيّ عن مباشرتِهِنَّ في المسجدِ بقيدِ الاعتكافِ، لأنَّ ذلك ممنوعٌ منه في غير الاعتكاف أيضاً.
والعُكُوف: الإِقامَةُ والملازَمَةُ له، يقال: عَكَف / بالفتح يَعْكِفُ بالضم ولاكسر، وقد قُرىء: ﴿يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ﴾ بالوجهين وقال الفرزدق:
٨٦٣ - تَرَى حَوْلَهُنَّ المُعْتَفِين كأنَّهم * على صَنَمٍ في الجاهليةِ عُكَّفُ
وقال الطرماح:
٨٦٤ - وظلَّ بناتُ الليلِ حولي عُكَّفاً * عكوفَ البواكي بينهنَّ صَريعُ
ويقال: الافتعالُ منه في الخير، والانفعالُ في الشَّرِّ. وأمَّا الاعتكافُ في الشرع فهو إقامةٌ مخصوصةٌ بشرائط، والكلامُ فيه بالنسبة إلى الحقيقةِ الشرعيةِ كالكلام في الصلاةِ. وقرأ قتادة: "عَكِفُون" كأنه يقال: عاكِفٌ وعَكِفُ نحو بار وَبَرّ ورَابٌّ. وقرأ الأعمش: "في المسجدِ" بالإِفرادِ كأنه يريد الجنسَ.
(٢/٢٧٩)
---


الصفحة التالية
Icon