وقال هنا: "فلا تقْرَبُوها" وفي مواضع أُخَرَ: ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾ ومثلُه: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾﴿وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ لأنه غَلَّب هنا جهةَ النهي إذ هو المُعَقَّبُ بقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ وما كان مَنْهِيّاً عن فعلِهِ كان النهيُ عن قُرْبَانِهِ أبلغَ، وأمَّا الآياتُ الأُخَرَ فجاء "فلا تَعْتَدُوها" عَقِبَ بيانِ أحكامٍ ذُكِرَت قبلُ كالطلاقِ والعِدَّة والإِيلاءِ والحَيْض والمواريث، فناسَبَ أن يَنْهَى عن التَّعدِّي فيها، وهو مجاوَزَةُ الحَدِّ الذي حَدَّه اللَّهُ فيها.
قوله: ﴿كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ الكافُ في محلِّ نصب: إمَّا نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، أي: بياناً مثلَ هذا البيانِ، أو حالً من المصدرِ المحذوفِ كما هو مذهبُ سيبويه.
* ﴿ وَلاَ تَأْكُلُوااْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
قولُه تعالى: ﴿بَيْنَكُمْ﴾: في هذا الظرفٍِ وجهان، أحدُهما: أن يتعلَّقَ بتأكلوا بمعنى: لا تَتَنَاقَلوها فيما بينكم بالأكلِ. والثاني: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه حالٌ من "أموالكم"، أي: لا تأكلوها كائنةً بينكم. وقَدَّره أبو البقاء أيضاً بكائنةٍ بينكم أو دائرةٍ بينكم، وهو في المعنى كقولِهِ: ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾، وفي تقدير "دائرةً" - وهو كونٌ مقيَّدٌ - نَظَرٌ لا يَخْفَى، إلاَّ أَنْ يُقالَ: دَلَّتِ الحالُ عليه.
(٢/٢٨١)
---


الصفحة التالية
Icon