ومتعلق الانتهاء محذوف؛ أي: عن القتال. وانتهى "افتعل" من النهي، وأصلُ انتهَوا: انتهَيُا، فاستُثْقِلَتْ الضمةُ على الياءِ فَحُذِفَتْ ساكنان فَحُذِفَتِ الياءُ لالتقاءِ الساكنين، أو تقول: تَحَرَّكَتِ الياء وانفتحَ ما قبلَها فَقُلِبَتْ ألفاً، فالتقى ساكنان، فَحُذِفَتِ الألفُ وبَقِيَتِ الفتحة تَدُلُّ عليها.
* ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ﴾: يجوزُ في "حتى" أن تكونَ معنى كي، وهو الظاهرُ، وأن تكونَ بمعنى إلى، وأَن مضمرةٌ بعدَها في الحالين. و "تكونُ" هنا تامةٌ و "فتنةٌ" فاعلٌ بها، وأمَّا ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ﴾ فيجوزُ أن تكونَ تامةً أيضاً، وهو الظاهرُ، ويتعلَّقُ "لله" بها، وأن تكونَ ناقصةً و "لله" الخبرَ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: كائناً لله. و ﴿إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ في محلِّ رفعٍ خبرُ "لا" التبرئةِ، ويجوزُ أن يكونَ خبرُها محذوفاً تقديرُه: لا عدوانَ على أحد، فيكونُ "إلا على الظالمين" بدلاً على إعادةِ تكرارِ العامل. وهذه الجملةُ وإنْ كانَتْ بصورةِ النفي فهي في معنى النهي، لئلا يلزم الخُلْفُ في خبره تعالى، والعربُ إذا بالَغَتْ في النهي عن الشيء، أَبْرَزَتْه في صورةِ النفي المَحْضِ كأنه ينبغي ألاَّ يوجدَ البتةَ فَدَلُّوا على هذا المعنى بما ذكرْتُ لك، وعكسُه في الإِثباتِ إذا بَالَغُوا في الأمرِ بالشيءِ أبرزوه في صورة الخبرِ نحو: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ﴾ وسيأتي.
* ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
(٢/٢٨٩)
---


الصفحة التالية
Icon