وقوله: ﴿فَلاَ رَفَثَ﴾ وما في حَيِّزه في محلِّ جَزْمٍ إن كانت "مَنْ" شرطيةٌ، ورفع إن كانت موصولةً، وعلى كِلا التقديرين فلا بُدَّ من رابطٍ يَرْجِع إلى "مَنْ"؛ لأنها إنْ كانَتْ شرطيةً فقد تقدَّم أنه لا بد من ضميرٍ يعودُ على اسمِ الشرط، وإنْ كانت موصولةً فهي مبتدأٌ والجملةُ خبرُها ولا رابطَ في اللفظِ، فلا بدَّ من تقديرِه وفيه احتمالان، أحدُهما: أن تقدِّره بعد "جدال" تقديرُه: ولا جدالَ منه ويكون "منه" صفةً لـ"جدال"، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، فيصيرُ نظيرَ قولِهم: "السَّمْنُ مَنَوانِ بدرهم" تقديره: منوانِ منه. ولثاني: أنْ يُقَدَّرَ بعد الحج" تقديره: ولا جدالَ في الحجِّ منه، أو: له. ويكونُ هذا الجارُّ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من "الحج". وللكوفيين في هذا تأويلٌ آخرُ / وهو أنَّ الألفَ واللامَ نابت منابَ الضميرِ، والأصلُ: في حَجِّه، كقوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ ثم قال: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي: مَأْواه.
وكَرَّر الحجَّ وَضْعاً للظاهر موضعَ المضمر تفخيماً كقوله:
٨٨٥ - لا أرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ *........................
وكأنَّ نظمَ الكلام يقتضي: "فَمَنْ فرض فيهنَّ الحجَّ فلا رَفَث فيه"، وحَسَّنَ ذلك في الآيةِ الفصلُ بخلاف البيت.
والجِدال مصدر "جادَلَ". والجدالُ: أشدُّ الخصام مشتقٌّ من الجَدالة، وهي الأرض؛ كأنَّ كلَّ واحد من المتجادِلَيْن يرمي صاحبه بالجَدالَةِ، قال الشاعر:
٨٨٦ - قد أَرْكَبُ الآلَةَ بعدَ الآلَهْ * وأترُكُ العاجِزَ بالجَدَالَهْ
ومنه: "الأجْدل" الصقر، لشِدَّته. والجَدْلُ فَتْلُ الحَبْل، ومنه: زِمامٌ مجدولٌ أي مُحْكَمُ الفَتْلِ.
(٢/٣٠٧)
---


الصفحة التالية
Icon