قوله: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ "مَنْ" يجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أن تكونَ شرطيةً، فـ"تَعَجَّل" في محلِّ جزمٍ، والفاءُ في قولِه: "فلا" جوابُ الشرط، والفاءُ وما في حَيِّزها في محلِّ جزمٍ أيضاً على الجواب. والثاني: أنها موصولةٌ لا فلا محلَّ لتَعَجَّل لوقوعِه صلةً، ولفظه ماضٍ ومعناه يحتمل المضيَّ والاستقبالَ؛ لأنَّ كلَّ ما وقع صلةً فهذا حكمُه. والفاءُ في "فلا" زائدةُ في الخبرِ، وهي وما بعدها في محلِّ رفعٍ خبراً للمبتدأ. و "في يومين" متعلق بتَعجَّل، ولا بد من ارتكابِ مجاز لأن الفعلَ الواقعَ في الظرفِ المعدودِ يستلزم أن يكونَ واقعاً في كلٍّ مِنْ معدوداتِه، تقولُ: "سِرْت يومين" لا بد وأَنْ يكونَ السيرُ وقع في الأول والثاني أو بعضِ الثاني، وهنا لا يقع التعجيل في اليوم الأول من هذين اليومين بوجهٍ، ووجهُ المجاز: إمَّا من حيث إنه نَسَب الواقعَ في أحدهما واقعاً فيها كقوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ و ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾، والناسي أحدهما، وكذلك المُخْرَجُ من أحدِهما، وإمَّا من حيث حَذْفُ مضافٍ أي: في تمامِ يومين أو كمالِهما.
و "تعجَّل" يجوزُ أن يكونَ بمعنى استعجَلَ، كتكبَّر واستكبر، أو مطاوعاً لعجَّل نحو كَسَّرْتُه فَتَكَسَّر، أو بمعنى المجرد، وهو عَجِل، قال الزمخشري: "والمطاوعة أوفق، لقوله: "ومَنْ تأخَّر"، كما هي كذلك في قوله:
٨٩٢ - قد يُدْرِك المتأنِّي بعضَ حاجتِه * وقد يكونُ مع المُسْتعجِلِ الزَّلَلُ
لأجلِ قولِه "المتأني". وتعجَّل واستعجل يكونان لازمين ومتعديين، ومتعلَّقُ التعجيلِ محذوفٌ، فيجوزُ أن تقدِّرَه مفعولاً صريحاً أي: من تعجَّل النَّفْر، وأن تقدِّرَه مجروراً أي: بالنفر، حَسَبَ استعمالِه لازماً ومتعدياً.
(٢/٣٢٣)
---


الصفحة التالية
Icon