وفي هذه الآيات من علمِ البديعِ: الطباقُ، وهو ذكرُ الشيء وضدِّه في "تعجَّل وتأخر" فهو كقوله: ﴿هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ و ﴿أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ وهذا طباقٌ غريب، من حيث جَعَل ضدَّ "تَعَجَّل": "تأخَّر"، وإنما ضدُّ "تعجَّل": "تأنَّى" وضدُّ تأخَّر: تقدَّم، ولكنه في "تعجَّل" عَبَّر بالملزوم عن اللازم، وفي "تاخَّر" باللازم عن الملزومِ. وفيها من علم البيان: المقابلةُ اللفظية، وذلك أن المتأخِّرَ بالنَّفْر آتٍ بزيادة في العبادة فله زيادةٌ في الأجر على المتعجِّل فقال في حقه أيضاً: ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ ليقابلَ قولَه أولاً: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾، فهو كقولِهِ: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ و ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ﴾ وقرأ الجمهور ﴿فَلاا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بقطعِ الهمزةِ على الأصلِ، وقرأ سالم ابنَ عبد الله: "فلا اثمَ" بوصلِها وحَذْفِ ألفِ لا، ووجهُه أنه خَفَّف الهمزةَ بينَ بينَ فَقَرُبَتْ من الساكنِ فَحذَفَها تشبيهاً بالألف، فالتقى ساكنان: ألفُ لا وثاء "أثم"، فَحُذِفت ألفُ "لا" لالتقاءِ الساكنين. وقال أبو البقاء: "ووجهُها أنَّه لمَّا خَلَطَ اتلاسمَ بـ"لا" حَذَفَ الهمزةَ تشبيهاً لها بالألف" يعني أنه لمّضا رُكِّبت "لا" مع اسمها صارا كالشيء الواحد، والهمزةُ شبيةُ الألف، فكأنه اجتمعَ ألِفان فَحُذِفَت الثانيةُ لذلك، ثم حُذِفَت الألفُ لِما ذكرْتُ لك.
(٢/٣٢٤)
---