وفي قوله "العزَّةُ بالإِثم" التَتْميم وهو نوعٌ من عِلْمِ البديعِ، وهو عبارةٌ عن إردافِ الكلمةِ بأُخْرَى تَرْفَعُ عنها اللَّبْسَ وتُقَرِّبُها من الفَهْم، وذلك أنَّ العزَّةَ تكونُ محمودةً ومَذمومةً. فَمِنْ مجيئها محمودة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، فلو أُطْلِقَتْ لَتَوَهَّمَ فيها بعضُ مَنْ لا عنايةَ له المحمودةَ فقيل: "بالإِثم" تتميماً للمرادِ فَرُفِعَ اللَّبْسُ بها.
قوله: ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ "حَسْبُهُ" مبتأ و "جهنَّمُ" خبرُه أي: كافيهم جهنَّمُ، وقيل: "جهنَّمُ" فاعلٌ بـ"حَسْب"، ثم اختلف القائلُ بذلك في "حَسْب" فقيل: هو بمعنى اسم الفاعل، أي الكافي، وهو في الأصل مصدرٌ / أريد به اسمُ الفاعِل، والفاعِلُ - وهو جهنَّمُ - سَدَّ مَسَدَّ الخبر، وقَوِيَ "حَسْب" لاعتمادِهِ على الفاءِ الرابطةِ للجملةِ بما قبلَها، وهذا كلُّه معنى كلام أبي البقاء. وقيل: بل "حَسْب" اسمُ فعلٍ، والقائِلُ بذلك اختلَفَ: فقيل: اسمُ [فعلٍ] ماضٍ، أي: كفاهم، وقيل فعلُ أمرٍ أي: لِيَكْفِهم، إلاَّ أن إعرابَه ودخولَ حروفِ الجر عليه يمنُع كونَه اسم فعلٍ. وقد تلخَّصَ مِمَّا تقدَّم أن "حَسْب" هل هو بمعنى اسم الفاعل وأصلُه مصدرٌ أو اسمُ فعلٍ ماضٍ أو فِعْلُ أمر؟ وهو من الأسماء اللازمةِ للإِضافةِ، ولا يَتَعَرَّفُ بإضافتِه إلى معرفةٍ، تقولُ، مَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِك، ويُنْصَبُ عنه التمييزُ، ويكونُ مبتدأ فيُجَرُّ بباء زائدة، وخبراً فلا يُجَرُّ بها، ولا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤَنَّثُ وإنْ وقع صفةً لهذه الأشياء.
(٢/٣٣٣)
---