والمِهَادُ فيه قولان، أحدثهما: أنه جَمْعُ "مَهْد" وهو ما يوطأُ للنومِ والثاني: أنه اسمٌ مفردٌ، سُمِّيَ به الفراشُ المُوَطَّأُ للنومُ، وهذا من بابِ التهكم والاستهزاءِ، أي: جَعِلَتْ جَهَنَّمُ لهم بَدَلَ مِهادٍ يَفْترشونه وهو كقولِهِ:
٩٠٣ - وخيلٍ قد دَلَفْتُ لها بِخَيْلٍ * تحيةُ بينِهم ضَرْبٌ وَجِيعُ
أي: القائمُ لهم مقامَ التحيةِ الضربُ الوجيع.
* ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
قوله تعالى: ﴿مَن يَشْرِي﴾: في "مَنْ" الوجهانِ المتقدِّمان في "مَنْ" الأولى، ومعنى يَشْري: يَبيع، قال تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾، إن أَعَدْنَا الضميرَ المرفوعَ على الآخرة، وقال:
٩٠٤ - وَشَرَيْتُ بُرْداً ليتني * من بعدِ بُرْدٍ كنتُ هامَهْ
فالمعنى: يَبْذُل نفسَه في اللَّهِ، وقيل: بل هو على أصلِهِ من الشِّراء وذلك أَنَّ صُهَيْباً اشترى نفسَه من قريشٍ لمَّا هاجَرَ، والآيةُ نَزَلَتْ فيه.
قوله: ﴿ابْتِغَآءَ﴾ منصوبٌ على أنه مفعولٌ من أجله. والشروطُ المقتضيةُ للنصبِ موجودةٌ. والصحيحُ أنَّ إضافةَ المفعولِ له مَحْضَة، خلافاً للجرمي والمبرد والرياشي وجماعةٍ من المتأخَّرين. و "مرضاة" مصدرٌ مبنيٌّ على تاء التأنيث كَمَدْعَاة، والقياسُ تجريدُهُ عنها نحو: مَغْزَى ومَرْمَى
ووقَفَ حمزة عليها بالتاء، وذلك لوجهين: أحدهما أَنَّ بعضَ العربِ يقِفُ على تاء التأنيثِ بالتاءِ كما هي: وأنشدوا:
٩٠٥ - دارٌ لسَلْمَى بعد حولٍ قد عَفَتْ * بل جَوْزِ تيهاءَ كظهْرِ الجَحَفَتْ
وقد حكى هذه اللغةَ سيبويه. والثاني: أن يكونَ وقف على نيةِ الإِضافة، كأنه نَوَى لفظَ المضافِ إليه لشدةِ اتِّصال المتضايفَيْنِ فأَقَرَّ التاءَ على حالِها مَنْبَهَةً على ذلك، وهذا كما أَشَمُّوا الحرفَ المضمومَ ليُعْلِمُوا أنَّ الضَّمَّة كالمنطوق بها. وقد أمالَ الكسائي وورش "مَرْضات".
(٢/٣٣٥)


الصفحة التالية
Icon