وليس المرادُ هنا بالنظرِ تَرَدُّدَ العينِ، لأنَّ المعنى ليس عليه. واستدّلَّ بعضُهم على ذلك بأن النظر بمعنى البصر يتعدَّى بإلى، ويُضافُ إلى الوجه، وفي الآية الكريمة متعدٍّ بنفسِه، وليسَ مضافاً إلى الوجه، ويعني بإضافته إلى الوجهِ قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ فيكونُ بمعنى الانتظار. وهذا ليس بشيءٍ. أمَّا قولُه: "إنَّ الذي بمعنى البصر يتعدَّى بإلى فمُسَلَّم، قوله: "وهو هنا متعدٍّ بنفسه" ممنوعٌ، إذ يُحتمل أن يكونَ حرفُ الجر وهو "إلى" محذوفاً، لأنه يَطَّرِدُ حَذْفُه مع "أَنْ"، إذ لم يكن لَبْسٌ، وأمَّا قولُه: "يُضافُ إلى الوجهِ" فممنوعٌ أيضاً، إّ قد جاء مضافاً للذاتِ. قال تعالى: ﴿أَرِنِيا أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ﴾. والضميرُ في "ينظرون عائدٌ على المخاطبين بقولِه: "زَلَلْتُم" فهو التنفاتٌ.
قولُه: ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ﴾ هذا مفعولُ "ينظرون" وهو استثناءٌ مفرَّغٌ أي: ما ينظرون إلا إتيان الله.
قوله: ﴿فِي ظُلَلٍ﴾ فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يتعلَّق بيأتِيَهم، والمعنى: يأتيهم أمرُه أو قُدْرَتُه أو عقابُه أو نحوُ ذلك، أو يكونُ كنايةً عن الانتقام؛ إذ الإتيان يمتنعُ إسنادُه إلى الله تعالى حقيقةً. والثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ، وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: هو مفعولُ يأتيهم، أي: في حالِ كونِهم مستقرين في ظُلَل وهذا حقيقةٌ. والثاني: أنه الله تعالى بالمجاز المتقدَّم، أي: أمرُ الله في حال كونه مستقراً في ظُلَل. الثالث: أن تكونَ "في" بمعنى الباء، وهو متعلقٌ بالإِتيانِ، أي: أَنْ يأتيهم بظُلَل. ومِنْ مجيءِ "في" بمعنى الباءِ قوله:
٩١٣ -................. * خَبيرون في طَعْنِ الكُلى والأباهِرِ
لأنَّ "خبيرين" إنَّما يتعدَّى بالباءِ كقوله:
٩١٤ -................ * خبيرٌ بأَدْواءِ النِّساء طَبيبُ
(٢/٣٤٠)
---


الصفحة التالية
Icon