قوله: ﴿وَقُضِيَ الأُمُورُ﴾ الجمهور على "قُضِيَ" فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول وفيه وجهان، أحدُهما: أن يكونَ معطوفاً على "يَأْتِيهم" وهو داخلٌ في حَيِّز الانتظار، ويكونُ ذلك من وَضْعِ الماضي موضعَ المستقبل، والأصل، ويُقْضى الأمر، وإنما جِيء به كذلك لأنه محققٌ كقوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾. والثاني: أن يكونَ جملةً مستأنفةً برأسِها، أَخْبر الله تعالى بأنه قد فَرَغَ من أمرهم، فهو من عطفِ الجملِ وليس داخلاً في حَيِّز الانتظار، وقرأ معاذ ابن جبل "وقضاء الأمر" قال الزمخشري: "على المصدرِ المرفوع عطفاً على الملائكة". وقال غيرُه: بالمدِّ والخفض عطفاً على "الملائكة" قيل: "وتكون على هذا "في" بمعنى الباء" أي: بُظللٍ وبالملائكةِ وبقضاء الأمر، فيكونُ عن معاذ قراءتان في الملائكة: الرفعُ والخفضُ، فنشأ عنهما قراءتان له في قوله: "وقُضي الأمر".
قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ﴾ هذا الجار متعلِّقٌ بما بعدَه، وإنما قُدِّم للاختصاص، أي: لا تَرْجعُ إلا إليه دون غيره. وقرأ الجمهور: "تُرْجَعُ" بالتأنيث لجريان جمعِ التكسير مَجْرى المؤنث، إلاَّ أنَّ حمزةَ والكسائي ونافاً قرؤوا ببنائِه للفاعل، والباقون ببنائِه للمفعول، و "رجع" يُستعمل متعدياً تارةً ولازماً أخرى. وقال تعالى: ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ﴾ فجاءت القراءتان على ذلك، وقد سُمِع في المتعدي "أرجع" رباعياً وهي لغةٌ ضعيفة، ولذلك أَبَت العلماءُ أن تَجْعَل قراءَة مَنْ بناه للمفعول مأخوذةً منها. وقرأ خارجة عن نافع:
"يُرْجَعُ" بالتذكير وببنائه للمفعول لأن تأنيثه مجازي، والفاعلُ المحذوفُ في قراءةِ مَنْ بناه للمفعول: إمَّا اللهُ تعالى، أي: يرجعها إلى نفسه بإفناء هذه الدار، وإمَّا ذوو الأمور؛ لأنه لَمَّا كانت ذواتُهم وأحوالُهم شاهدةً عليهم بأنهم مَرْبوبون مَجْزِيُّون بأعمالهم كانوا رادِّين أمورَهم إلى خالقها.
(٢/٣٤٢)
---


الصفحة التالية
Icon