وإذا تعلَّق بالمفعولِ كانَ من صفاتِهِ أيضاً والتقديرُ: والله يرزقُ مَنْ يشاء غيرَ محاسَبٍ أو غيرَ محسوبٍ عليه، أي: معدود عليه، أي: إنَّ المرزوق لا يحاسِبُهُ أحدٌ، أو لا يَحْسُبُ عليه أي: لا يَعُدُّ. فيكونُ المصدرُ أيضاً واقعاً موقعَ اسمِ مفعولٍ من حاسَبَ أو حَسَبَ، أو يكونُ على حَذْفِ مضافٍ أي غيرَ ذي حساب أي: محاسبة، فالمصدرُ واقعٌ موقعَ الحالِ والباءُ أيضاً زائدةٌ فيه، ويحتمل في هذا الوجهِ أن يكونَ المعنى أنه يُرْزَق مِنْ حيثُ لا يَحْتَسِبُ، أي: من حيث لا يظنُّ أن يأتيَه الرزقُ، والتقديرُ: يرزقُه غيرَ محتسِب ذلك، أي: غيرَ ظانٍّ له، فهو حالٌ أيضاً. ومثلُه في المعنى ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾. وكونُ الباء تُزادُ في الحال ذكروا لذلك شرطاً - على خلافٍ في جواز ذلك في الأصل - وهو أن تكون الحال منفيَّةً كقوله:
٩٢٠ - فما رَجَعَتْ بخائبةٍ رِكابٌ * حكيمُ بن المُسَيَّب مُنْتَهَاها
وهذه الحالُ - كما رأيتَ - غيرُ منفيةٍ فالمنعُ من الزيادة فيها أَوْلى.
وأمَّا وجهُ عدمِ الزيادةِ فهو أن تَجْعَلَ الباءَ للحالِ والمصاحبة. وصلاحيةُ وصفِ الأشياء الثلاثة - أعني الفعلَ والفاعلَ والمفعولَ - بقولِهِ: "بغير حساب" باقيةٌ أيضاً، كما تقدَّم في القولِ بزيادَتِها. والمُراد بالمصدرِ المحاسبةُ أو العدُّ والإِحصاءُ أي: يرزقُ مَنْ يشاء ولا حسابَ على الرزقِ، أو ولا حسابَ للرازق، أو ولا حسابَ على المرزوق، وهذا أَوْلَى لما فيه من عدمِ الزيادةِ، التي الأصلُ عدمُها ولِما فيه من تَبَعِيَّة المصدرِ على حالِهِ، غيرَ واقعٍ موقع اسمِ فاعلٍ أو اسم مفعولٍ، ولِما فيه من عَدَمِ تقديرِ مضافٍ بعد "غير" أي: غيرَ ذي حساب. فإذاً هذا الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ لوقوعِه حالاً من أي الثلاثةِ المقتدِّمةِ شِئْتَ كما تقدَّم تقريرُه، أي: ملتبساً بغيرِ حسابٍ.
(٢/٣٥٠)
---