قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ هذا الجارُّ متعلقٌ بقوله: "أنزل" واللامُ للعلةِ. وفي الفاعلِ المضمرِ في "ليحكم" ثلاثةُ أقوالٍ، أحدثها: وهو أظهرُها، أنه يعودُ على اللَّهِ تعالى لتقدُّمِهِ في قوله: "فَبَعَثَ الله" ولأنَّ نسبةَ الحكمَ إليه حقيقةٌ، ويؤيِّده قراءةُ الجَحْدَرِي فيما نقله عنه مكي: "لنحكمَ" بنون العظَمَةِ، وفيه التفاتٌ من الغَيْبَةِ إلى التكلُّمِ. وقد ظَنَّ ابنُ عطية أن مكياً غَلِطَ في نَقْلِ هذه القراءةِ عنه وقال: "إنَّ الناسَ رَوَوْا عن الجحدري: "ليُحْكَمَ" على بناءِ الفعلِ للمفعولِ" ولا ينبغي أن يُغَلِّطَه لاحتمالِ أن يكونَ عنه قراءتان. والثاني: أنه يعودُ على "الكتاب" أي: ليحكم الكتابُ، ونسبةُ الحكم إليه مجازٌ كنسبةِ النطق إليه في قوله تعالى: ﴿هَاذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾، ونسبةُ القضاء إليه في قوله:
٩٢١ - ضَرَبَتْ عليكَ العنكبُوتُ بنَسْجِها * وقضى عليك به الكتابُ المُنَزَّلُ
ووجهُ المجازِ أنَّ الحكمَ فيه فَنُسِبَ إليه. والثالثُ: أنه يعودَ على النبي، وهذا استضعَفَهُ الشيخُ من حيث إفرادُ الضميرِ، إذ كان ينبغي على هذا أن يُجْمَعَ ليطابِقَ "النبيين". ثم قال: "وما قالَه جائزٌ على أَنْ يعودَ الضميرُ على إفراد الجمعِ على معنى: ليحكمَ كلُ نبي بكتابِهِ. و "بين" متعلق بـ"يَحْكم". والظرفيةُ هنا مجازٌ. وكذلك "فيما اختلفوا" متعلقٌ به أيضاً. و "ما" موصولةٌ، والمرادُ بها الدين، أي: ليحكم اللَّهُ بين الناسِ في الدِّين، بعد أن كانوا متفقين عليه. ويَضْعُفُ أن يُرَادَ بـ"ما" النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لأنها لغير العقلاءِ غالباً. و "فيه" متعلِّقٌ بـ"اختلفوا"، والضميرُ عائدٌ على "ما" الموصولةِ.
(٢/٣٥٣)
---