قوله: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُم﴾ الواوُ للحالِ، والجملةُ بعدَها في محلِّ نصبٍ عليها، أي: غيرَ آتيكم مثلُهم. و "لَمَّا" حرفُ جزمٍ معناهُ النفي كـ"لم"، وهو أبلغُ من النفي بـ"لم"، لأنها لا تنفي إلا الزمانَ المتصلَ بزمانِ الحالِ. والفرقُ بينها وبين "لم" من وجوهٍ، أحدُها: أنه قد يُحْذَفُ الفعلُ بعدها في فصيحِ الكلام إذا دَلَّ عليه دليلٌ كقولِهِ:
٩٢٤ - فَجِئْتُ قبورَهم بَدْءاً وَلَمَّا * فنادَيْتُ القبورَ فلم تُجِبْنَهْ
أي: ولمَّا أكن بدءاً أي: مبتدئاً، بخلافِ "لم" فإنه لا يجوزُ ذلك فيها إلا ضرورةً. ومنها: أنَّها لنفيِ الماضي المتصلِ بزمانِ الحال و "لم" لنفِيهِ مطلقاً أو منقطعاً على ما مَرَّ. ومنها: أنَّ "لَمَّا" لاَ تَدْخُل على فعلِ شرطٍ ولا جزاءٍ بخلافِ "لم". واختُلِفَ في "لمَّا" فقيل: بسيطةٌ، وقيل: مركبةٌ مِنْ لم و "ما" زيدَتْ عليها.
وفي قولِه ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ﴾ حَذْفُ مضافٍ وحَذْفُ موصوفٍ تقديرُهُ: ولَمَّا يأتِكُمْ مَثَلُ محنةِ المؤمنينِ الذين خَلَوْا.
و "مِنْ قبلِكم" متعلِّقٌ بـ"خَلَوا" وهو كالتأكيدِ، فإنَّ الصلةَ مفهومةٌ من قولِهِ: "خَلَوا".
قوله: ﴿مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ﴾ في هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أن تكونَ لا محلَّ لها من الإِعراب لأنها تفسيريةٌ أي: فَسَّرَتِ المَثَلَ وَشَرَحَتْهُ كأنه قيل: ما كانَ مَثَلُهم؟ فقيل: مَسَّتهم البأساءُ. والثاني: أن تكونَ حالاً على إضمارِ "قد" جَوَّزَ ذلك أبو البقاء، وهي حالٌ من فاعلِ "خَلَوا". وفي جَعْلِهَا حالاً بُعْدٌ.
(٢/٣٥٨)
---