قوله: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ﴾ "عسى" فعلٌ ماضٍ نُقِل إلى إنشاءِ الترجِّي والإِشفاق. وهو يرفعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخَبَر، ولا يكونُ خبرُها إلا فعلاً مضارعاً مقروناً بـ"أَنْ". وقد يجيءُ اسماً صريحاً كقوله:
٩٢٦ - أَكْثَرْتَ في العَذْلِ مُلِحَّاً دائماً * لا تُكْثِرَنْ إني عَسَيْتُ صائِماً
وقالَتِ الزبَّاء: "عسى الغُوَيْرُ أَبُؤسا" وقد يَتَجَرَّدُ خبرُها من "أَنْ" كقوله:
٩٢٧ - عسى فَرَجٌ يأتي به اللهُ إنه * له كلَّ يومٍ في خَلِقَتِهِ أَمْرُ
وقال آخر:
٩٢٨ - عَسَى الكربُ الذي أَمْسَيْتَ فيه * يكونُ وراءَه فرجٌ قَرِيبُ
وقال آخر:
٩٢٩ - فأمَّا كَيِّسٌ فَنَجا ولكِنْ * عَسَى يَغْتَرُّ بي حَمِقٌ لَئيمُ
وتكونُ تامة إذا أُسْنِدَتْ إلى "أَنْ" و "أنَّ"، لأنهما يَسُدَّان مَسَدَّ اسمها وخبرها، والأصحُّ أنها فعلٌ لا حرفٌ، لاتصالِ الضمائرِ البارزةِ المرفوعةِ بها، ووزنُها "فَعَل" بفتح العين، ويجوزُ كَسْرُ عينِها إذا أُسْنِدَتْ لضمير متكلمٍ أو مخاطبٍ أو نونِ إناثٍ، وهي قراءةُ نافعٍ، وستأتي: ولا تتصرَّفُ بل تلزم المضيَّ. والفرقُ بين الإِشفاقِ والترجِّي بها في المعنى: أنَّ الترجِّي في المحبوباتِ والإِشفاقَ في المكروهاتِ. و "عسى" من الله تعالى واجبةٌ؛ لأنَّ الترجِّي والإِشفاق مُحالان في حقَّه. وقيل: كلُّ "عسى" في القرآن للتحقيقِ، يَعْنُون الوقوعَ، إلا قولَه تعالى: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ الآية، وهي في هذه الآيةِ ليسَتْ ناقصةً فتحتاجُ إلى خبرٍ بل تامةٌ، لأنها أُسْنِدَتْ إلى "أَنْ"، وقد تقدَّم أنها تَسُدُّ مسدَّ الخبرين بعدها. وزعم الحوفي أن "أَن تكرهوا" في محلِّ نصب، ولا يمكن ذلك إلا بتلكُّفٍ بعيد.
(٢/٣٦٤)
---


الصفحة التالية
Icon