قوله: ﴿قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ، مَحلُّها النصبُ بقُلْ، وجازَ الابتداءُ بالنكرةِ لأحدِ وجهينِ: إمَّا الوصفُ، إذا جَعَلْنَا قولَه "فيه" صفةً له وإمَّا التخصيصُ بالعملِ إذا جَعَلْناه متعلقاً بقتال، كما تقدَّم في نظيرِه. فإنْ قيل: قد تقدَّم لفظُ نكرة وأُعيدت من غيرِ دخول ألفٍ ولامٍ عليها وكان حقُّها ذلك، كقوله تعالى: ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ فقال أبو البقاء: "ليس المرادُ تعظيمُ أيِّ قتالٍ كان، فعلى هذا "قتالٌ" الثاني غيرُ الأول"، وهذا غيرُ واضحٍ؛ لأنَّ الألف واللامَ في الاسمِ المُعادِ أولاً لا تفيدُ تعظيماً، بل إنما تفيدُ العهد في الاسمِ السابقِ. وأَحْسَنُ منه قَولُ بعضِهم: "إنَّ الثاني غيرُ الأولِ، وذلك أنَّ سؤالهم عن قتالِ عبدِ الله بن جحش، وكان لنصرةِ الإِسلامِ. وخُذْلانِ الكفرِ فليس من الكبائرِ، بل الذي من الكبائرِ قتالٌ غيرُ هذا، وهو ما كانَ فيه إذلالُ الإِسلامِ ونصرةُ الكفرِ، فاختير التنكيرُ في هذين اللفظين لهذه الدقيقةِ، ولو جِيء بهما معرفتين أو بأَحدِهما مُعَرَّفاً لَبَطَلَتْ هذه الفائدةُ".
(٢/٣٦٨)
---