وقال أبو البقاء: "الأحسنُ القراءةُ بالباء لأنه يُقال: إثمٌ كبير وصغير، ويُقال في الفواحش العظامِ "الكَبائرُ"، وفيما دونَ ذلك "الصغائرُ" وقد قُرىء بالثاءِ وهو جَيدٌ في المعنى، لأن الكثرةَ كِبر، والكثيرَ كبيرٌ، كما أنَّ الصغيرَ حقيرٌ ويَسيرٌ.
وقرأ عبد الله - وكذلك هي في مصحفه - :"وإثمُهما أكثرُ" بالمثلثة، وكذلك الأَولى في قراءتِهِ ومصحفه. وفي قراءةِ أُبَيّ: "أقربُ من نفعِهما".
[وإثمُهما ونفعُهما مصدران مضافان] إلى الفاعل، لأنَّ الخمرَ والميسر سببان فيهما، فهما فاعلان، ويجوز أن تكونَ الإِضافةُ باعتبار أنهما مَحَلُّهما. وقد تقدَّم القولُ مستوفىً على قولِهِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ وقرأ أبو عمرو: "قلِ العفوُ" رفعاً والباقون نصباً. فالرفعُ على أن "ما" استفهاميةٌ، و "ذا" موصولةٌ، فوقع جوابُها مرفوعاً خبراً لمبتدأ محذوف، مناسبةً بين الجوابِ والسؤال. والتقدير: إنفاقُكُم العفوُ. والنصب على أنها بمنزلةٍ واحدة، فيكون مفعولاً مقدماً، تقديره: أيَّ شيء ينفقون؟ فوقع جوابُها منصوباً بفعلٍ مقدر للمناسبة أيضاً، والتقديرُ: أنفقوا العفوَ. وهذا هو الأحسنُ، أعني أن يُعتقدَ في حالِ الرفع كونُ "ذا" موصولةً، وفي حال النصب كونُها ملغاة. وفي غير الأحسن يجوز أن يقال بكونِها ملغاةً مع رفعِ جوابِها، وموصولةً مع نصبِهِ. وإنما اختصرْتُ القولَ هنا لأني قد استوفيتُ الكلامَ عليها عند قولِهِ تعالى: ﴿مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ﴾ ومذاهبِ الناسِ فيها، فأغنى عن إعادِتها.
(٢/٣٨٣)
---